للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما المنْقَطِعةُ: فهي التي تأتِي بمعنى (بَل)، وليست بمعنى (أَوْ)، ولا تقعُ بعدَ همزةِ التَّسْوية، ولا بينَ مُتَقابلينِ.

فهنا {أَم حَسِبَ} بمعنى: بَلْ أحسَبُ، وهذا الإضرابُ إضرابُ انتقالٍ وليس إبْطَالًا، يعني: بعد أن ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وأنْكَر على الذين حَسِبُوا أن يُتْركوا أن يَقُولوا: آمنَّا وهم لا يُفتَنُون، انتَقَل عَزَّ وَجَلَّ إلى ذِكْر صِنفٍ آخرَ من النَّاس، وهم الذِينَ لم يقُولوا: آمنا ولم يُؤمِنوا، بل هم يَعْملونَ السيِّئاتِ، ويَظُنُّون أن اللَّه تعالى لن يُحيطَ بهم.

وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}، يعني: يَعْملونَ الأعمال السيِّئةَ، والسيئُ: ما يسُوءُ فاعِلَهُ، وكل عَمَلٍ محرَّمٍ فإنه سَيِّئ؛ لأنه يسوءُ صاحِبَه، بِمَا يجِدُ فيه مِنَ العُقوبةِ الحاضِرَةِ والمستْقبلِيَّة.

وقولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: [الشِّرْك والمعَاصِي]، أفادَنَا المُفَسِّر أن السيِّئةَ هنا تَعُمُّ الصَّغائرَ والكَبائرَ، الكبائرُ: التي أعْلاهَا الشِّركُ، والصَّغائرُ: ما دُونَ الكَبائرِ، وهي المعَاصِي، فهي تشمَلُ كلُّ ما يسُوءُ فاعِلَهُ من مَعصِيةِ اللَّهِ تعالى في الشِّرْك فما دُونَهُ.

قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَن يَسْبِقُونَا} هذا مَفعولُ (حَسِبَ)، {أَن يَسْبِقُونَا}، أي: [يَفُوتُونَا فلا نَنْتَقِمُ منهم]، والسَّبْقُ: بمَعْنى الفَواتِ، كما تقول: سَبْقتُ فلانًا، يعني: فُتُّهُ لم يُدْرِكْني، فهؤلاء يَظُنُّونَ أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لا يُدْركُهم، وأنَّ اللَّه لا يَنْتَقم منهم، وهذا بلا شكٍّ سوءُ ظَنٍّ باللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولهذا قال: {سَاءَ مَا يَحْكُمُون}، أي: ساءَ حُكْمهم هذا، وهو حُسبانُهم أن اللَّهَ تعالى لن يُدْرِكَهُمْ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{سَاءَ} بِئسَ {مَا} وبئسَ: فِعل ماضٍ جامد لإنشاءِ الذَّمِّ، و {مَا} بمعنى: الَّذي، فهِي اسمٌ مَوصُولٌ.

<<  <   >  >>