للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ} الجملَةُ مؤكَّدة بثلاثِ مُؤَكِّدَاتٍ، وهي: القَسَمُ المقدَّرُ، واللامُ، وقَدْ، {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى} من قَبْلِ الهلاكِ، {بِالْبَيِّنَاتِ}، (الباء) هنا للمصَاحَبَةِ، يعني: أتاهُمْ إتْيانا مَصْحوبًا بالْبَيِّنَاتِ؛ لأن اللَّه تعالى لا يُرْسِلُ رَسُولًا إلا أعْطاهُ من الآياتِ ما يؤمِنُ على مِثْلِه البَشَرُ (١)؛ لأن الحِكْمَةَ والرَّحْمَةَ تقْتَضِي هذا، إذ ليس مِنَ الحكمةِ أن يُرسَل رسولٌ من البشَرِ إلى الناس ويقول: إني رَسولٌ بِدُونِ بَيِّنةٍ، فلا بُدَّ من بَيِّنةٍ، أي: آية واضِحة تدُلُّ على أنه رسولُ، ولهذا قال: {بِالْبَيِّنَاتِ}، أي: بالآياتِ البَيِّناتِ والحُجَجِ الظاهرات، منها العَصَا ومنها اليدُ، وكذلك السُّنُونَ التي أخَذُوا بِهَا، ولكن مع هذا لم يَنْتَفِعُوا، نسألُ اللَّهَ العافيةَ.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ}: (استكبروا): بمعنى تكبَّرُوا وعَلَوْا وارتفعوا على الحقِّ ولم يَقْبَلُوا، ونَاظَر موسى فِرعَونَ وهدَّده حتى وصل الأمْرُ إلى أن قال: {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: ٢٩].

قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} فَائِتِينَ عَذَابَنا]، يعني: ما كانوا سباقِينَ لنَا فلم يَسْبِقُونَا، والسَّبْقُ بمعنى الفواتِ، فإذا قلت: سابَقْتُ إنْسانًا وسَبقَكَ، أي: فاتك وعَجَزْتَ عنه، هؤلاءِ مع استكْبَارِهِمْ وعظَمتِهِمْ وعُلُوِّهِم ما سبقوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أبَدًا.

لو قالَ قائلٌ: {وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ}، هل يؤخذُ منه أن غَيرَهُمْ سبَقَهُم إلى هذا العملِ؟


(١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل، رقم (٤٦٩٦)؛ ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. .، رقم (١٥٢)، عن أبي هريرة، واللفظ لمسلم: "مَا مِنْ الْأَنِبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ".

<<  <   >  >>