للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} أي: نجْعَلُها أمثالًا للنَّاسِ جميعًا، فـ (ضَرَبَ) هنا بمعنى: جعل، فإذا قلت: (ضَرَب ذَلِكَ مثلًا)، فالمعنى: جعل ذلك مثلًا، وكذلك قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [الروم: ٢٨]، أي: جعل لكم مثلًا من أنفسِكُمْ.

فالضربُ يأتي بمعنى الجَعلِ إذا أضيفِ إلى المثَلِ، فمادة (ضرب) ليست خاصَّةً بالضَّرْبِ الذي هو الضربُ باليد، بل تَشْمَلُ الضَّربَ بمعنى الجَعْلِ، وتشمل الضربَ بمعنى: تحويلِ النُّقودِ من سَكَّة إلى سَكَّة، والسياق هو الذي يُبَيِّنُ المعْنَى المرادَ.

فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ضرَبَ الأمثالَ لجميعِ النَّاسِ في التَّوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ ولكن الذي يَعْقِلُها وينتفع بها هم العَالمُونَ.

قوله: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} أي: ذَوُو العِلم والفَهمِ الذين ينتَفِعونَ بفَهْمهِم وعِلْمهِمْ، ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [المتَدَبِّرُونَ]. وهذا التفسيرُ فيه نَظَرٌ لأن العِلمَ بعدَ التَّدَبُّرِ، لكن لما كان العِلمُ لا يحصلُ إلا بِه فسَّرَهُ المُفَسِّر بِهِ.

والحقيقةُ أن المرادَ بالعالمِينَ ذَوُو العِلم والفَهْم الذين يَعْقلُون الأشياء ويفْهَمُونها، احتِرَازًا من أهلِ الجَهلِ المعْرضينَ الذين لا ينتَفِعونَ بما أعطَاهم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الفُهومِ، فإنهم لا يعْقلُون هذا الأمثالَ، وإذا لم يَعْقِلُوها لم ينْتَفِعُوا بها.

وحَرِيٌّ بطالبٍ العِلم أن يتَتَّبعَ الأمثالَ التي في القُرآنِ، فيقرأُ القُرآنَ بتَدَبُّرٍ ثم يجمَعُ هذه الأمثال على هيئة بحثٍ يصْنَعه لنفسه، ثم إن شاء بعدَ إتمامِه أن يرجِعَ إلى الكُتب المؤلَّفةِ في هذا فلا بأسَ.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} عمَّم في ضَربِ المثَلِ

<<  <   >  >>