الفَائدتَانِ السادِسَةُ والسابعةُ: فضيلَةُ ذِكْرِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لقوله:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، هذا إذا كانتِ الإضَافَةُ للمَفعولِ، وفيها أيضًا فَضيلَةُ ذِكرِ اللَّهِ العَبْدَ وأنه مِنَ المرَاتبِ العالِيَةِ لقوله:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، هذا إذا كانت مُضافَةً للفاعِلِ.
الفَائِدةُ الثَّامِنةُ: الأمورُ الإيجابِيَّةُ أكمْلُ من الأمورِ السَّلْبِيَّةِ؛ لأن ذِكرَ اللَّهِ أمرٌ إيجَابِيٌّ؛ ولهذا قال:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، والنَّهْي عنِ الفَحشاءِ والمنْكَرِ أمرٌ سَلْبِيٌ، ولهذا قال العلماء: إن الصبرَ على طَاعَةِ اللَّهِ أكْمَلُ مِنَ الصبرِ على معْصِيَةِ اللَّه؛ لأنه صَبرَ على فعلِ مُعانَاةٍ ومَشَقَّةٍ، فالإنسانُ يجاهِدُ نفْسَهُ بالصَّبْرِ على طاعَةِ اللَّه مِنْ وَجْهَيْنِ: من جِهَةِ إلْزَامِهَا بها، ومن جِهَةِ الصبرِ والتَّحَمُّلِ لهذه الأفعالِ والأقْوالِ.
وليس المرادُ بالذِّكْرِ ذِكْرَ الصُّوفِيَّةِ؛ لأنهم في الحقيقةِ لا يَذْكُرونَ اللَّه، فذِكْرُهم بِدْعِيٌّ، والبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ عندَ اللَّهِ، والذِّكْرُ ليس باللسانِ فقط، بل الذِّكْرُ يكونُ باللسانِ والقلبِ والجوارحِ، ولا بُدَّ أيضًا أن يكون على مُقْتَضَى الشريعةِ، فكُلُّ ذِكْرٍ على خلافِ مقْتَضَى الشَّريعَةِ فلَيْسَ ذِكْرًا، ولو ادَّعى صاحبُهُ أنه ذِكْرٌ.
الفوائدُ التاسِعَةُ والعَاشِرَةُ والحَادِيةَ عشْرَةَ: إثباتُ علمِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لقَولِهِ:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، وإثباتُ عُمومِ العِلْم لقوله:{مَا تَصْنَعُونَ}، وإثباتُ تعلُّقِ علْمِ اللَّه بفِعلِ العِبادَ لقوله:{تَصْنَعُونَ} فيكون فيها رَدٌّ على طائِفةٍ وهمُ القَدَرِيَّةُ -أعني: غلاتَهُمْ- لأنهم كانوا قَدِيمًا يُنْكِرُونَ تعلُّقَ عِلمِ اللَّه بفِعْلِ العَبدِ، ويقولون: إن الأمرَ أُنُفٌ، أي: مسْتَأْنَفُ، وأن اللَّه لا يعْلمُ بأفعال العِبادِ إلا إذا عَمِلُوها، ولا شكَّ أن هذا كُفْرٌ، كما قال الشافِعِيُّ وغيره:"جَادِلُوهُمْ بالعِلْمِ فإنْ أقَرُّوا بِه خُصِمُوا، وإنْ أنْكَرُوه كَفَرُوا".