فالحاصل: أن الدُّعاءَ تَذَلُّلٌ، ولهذا كان مِنَ العابِدَةِ.
الفَائِدةُ السَّادسَة: أن هؤلاءِ المشركينَ إذا نَجَوْا مِنَ الشدَّةِ كَفَرُوا بالنِّعْمَةِ، لقولِهِ:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
الفَائِدةُ السَّابِعةُ: سَفَهُ من يجْعَلُ النِّعَمَ سببًا للأشَرِ والبَطَرِ، فإن مَن فَعَلَ ذلك فيه شَبَهٌ من هؤلاءِ المشركين, لأن الواجِبَ على مَنْ أنعَمَ اللَّهُ عليه النِّعْمَةَ أن يزْدَادَ عبادَةً للَّه عَزَّ وَجَلَّ؛ لأن العِبادَةَ مِنَ الشُّكْرِ، فإذا أنْعمَ عليكَ ربُكَّ بنِعْمَةٍ فازَدَدْ له شُكرًا، وقد تقدَّم أن الرَّسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- لما دَخَل مكَّة فاتحًا طأْطَأ رأسَهُ (١)، حتى إنه ليُصِيبُ مَورِكَ رَحْلِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كلُّ هذا من أجلِ التَّذَلُّلِ للمُنعِمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا تَجْعَلْ نِعَمَ اللَّه سَبَبًا للأشر، بل اجْعلَها سببًا للشكرِ والذُّلِّ للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حتى تَزْدادَ هذه النِّعَم وتكون نِعِمًا حَقِيقَةً.
* * *
(١) أخرجه أبو يعلى في مسنده (٣٣٩٣)؛ والحاكم في مستدركه (٣/ ٤٩) (٤٣٦٥)؛ وابن عساكر في تاريخه (٤/ ٨٠) عن أنس، ولفظ الحاكم: "دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعًا".