للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهُ تعالى أسبَابًا مَعلُومةً لنا ونُشاهِدُها، وتارةً يكونُ بأمورٍ لا نُدرِكُها، فتأْتِيهِ العُقوبةُ مِنَ اللَّه بدونِ أيِّ سَببٍ معلومٍ لنا، مثلُ أسبابِ نَصْر الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أحيانًا تكونُ بأسبابٍ غيرِ مَعلُومةٍ، وأحيانًا تكونُ بأسباب مَعلُومَةٍ، مثاله: نَصْرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للرَّسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، في غزوةِ الخَندَقِ: أرسلَ اللَّهُ عليهم رِيحًا وجُنُودًا لا نَرَاها، الجنودُ التي لا نَراهَا هي مِنَ الأُمورِ غيرِ المعلومَةِ إلا بالشَّرْع، لكنَّ الرِّيح التي أقَلَقَتْهُمْ وأكَفْأَتْ قُدورَهُم وهَدَمَتْ خيامَهُمْ هذه محسُوسَةٌ معلومَةٌ، لكنَّ الجنودَ التي لم نرهَا لولا إخبارُ اللَّه إيَّانَا عنها ما كُنَّا نَعْلَمُهَا.

فاللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُدرِكُ الإنسانَ إما بأسبابٍ مَعلُومة تَظْهَرُ للعَيانِ، وإمَّا بأسبابٍ خَفِيَّةٍ لا تَظهرُ للعَيانِ، ثم قد نَعْلمُهَا بطريقِ الوَحي وقَدْ لا نَعْلَمُهَا.

قولُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أَيْ: غَيَرَهُ {مِنْ وَلِيٍّ} يَمْنَعُكُمْ مِنهُ {وَلَا نَصِيرٍ} يَنْصَرُكُم مِن عَذَابِهِ]: (ما) في قوله: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ} هل هِي تَمِيمِيَّة أم حِجازَيَّةٌ؟

الجواب: اتَّفقتْ فيها اللُّغتانِ، وذَلك لعَدمِ التَّرتِيبِ لأنَّ {مِنْ وَلِيٍّ} هو المبتدأُ، و {لَكُمْ} هو الخَبَرُ، يعني: لا وَلِيَّ لكُمْ مِن دُونِ اللَّهِ، وقولُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أيْ: غَيْرَهُ] صحيحٌ، وعبَّر عنِ الغَيْرِ بالدُّونِ لانْحطَاطِ رُتبَتِهِ.

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مِنْ وَلِيٍّ} يَمْنعُكُم منْه، {وَلَا نَصِيرٍ} ينصُرُكم مِن عَذابِهِ]: ولا أعلمُ إلَّا أن النَّصْرَ بمعنى المنْعِ والعَوْنِ، لكنَّ الصَّحِيحَ أن قولَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} أن الوَلِيَّ من يتَوَلَّى الإنسانَ في جميعِ أحوالِهِ فينْصُرُه في مقابلة عَدُوِّهِ، ويأتي إليه بالخيرِ ولو في غيرِ مقابَلَةِ العَدوِّ، فالولِيُّ هو الأعَمُّ، فهو الذي يتَولَّاهُ في

<<  <   >  >>