فأغشيناهم [يس/ ٩]، التقدير: فأغشيناهم السدّ، أو مثل السدّ فهم لا يبصرون لما أغشيناهموه من ذلك. وتعرّفوا مدّة اللبث هاهنا، كما تعرّفوها في قوله: قال قائل منهم كم لبثتم، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، قالوا ربكم أعلم بما لبثتم [الكهف/ ١٩]، وكقوله: قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم [المؤمنون/ ١١٢]، فتعارفهم مدّة لبثهم كما ذكرت لك في هذه الآي.
والآخر في التعارف ما جاء من قوله: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قال قائل إني كان لي قرين، [الصافات/ ٥٠ - ٥١] وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين [الطور/ ٢٥ - ٢٦] وتعرّفهم يكون على أحد هذين الوجهين. فعلى هذا يكون قوله: ويوم نحشرهم معمول يتعارفون، والآخر: أن يكون يوم نحشرهم معمول ما دلّ عليه قوله: كأن لم يلبثوا، ألا ترى أن المعنى:
تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث، فيعمل في الظرف هذا المعنى، ولا يمنع المعنى من أن يعمل في الظرف، وإن تقدم الظرف عليه، كقولهم: أكلّ يوم لك ثوب، ومثل ذلك في الحمل على المعنى قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ ٢٢] وقول أبي دواد «١»:
قرّبنه ولا تقيلنّ واعلم ... أنّه اليوم إنّما هو ناد
(١) ليس في شعره المجموع ضمن «دراسات في الأدب العربي» لغرانباوم.