التي ترجمت للفارسي على كثرتها- تقول بتشيّعه، بل جلّ ما نقرأه فيها أنه كان متهما بالاعتزال أو وقيل كان معتزليا، ولم يقل أحد منهم إنّه كان معتزليا ... بعبارة التقرير. بل نراها إمّا بصيغة الشك أو التمريض.
ثم إن القارئ ليندهش عند ما يقرأ للدكتور شلبي نفسه بعد صفحات أدلة يحشدها ليثبت فيها أن أبا علي الفارسي درس من المذاهب الفقهية مذهب أبي حنيفة وتأثر به، بنفس الطريقة التي دلّل بها على تشيّعه.
ويبدو أن الدكتور شلبي كان موفقا هنا في سرد أكثر الأدلة على تأثّر أبي علي بالمذهب الحنفي. منها:
١ - ما ذكره ابن جني (تلميذ أبي علي) قائلا: «اعلم أن أصحابنا انتزعوا العلل من كتب محمد بن الحسن، وجمعوها منها بالملاطفة والرفق.
٢ - ثناء أبي علي على أبي حنيفة في أمثلة وردت بكتبه فمن ذلك ما قال: «كما يجوز تشبيه المعنى بالعين للمبالغة في أمره، والرفع منه جاز أيضا تشبيه العين بالمعنى إذا أكثر من محاولة ذلك المعنى، وكثر أخذه فيه، وإكثاره منه، فتقول على ذلك: أبو حنيفة الفقه!، وأصبح ماؤكم غورا».
٣ - وكذلك ثناؤه على أبي يوسف في قوله:«أبو يوسف أبو حنيفة!».
٤ - استشهاده بأقوال أبي يوسف.
٥ - ولما احترقت كتب أبي علي لم يبق منها إلا نصف كتاب الطلاق عن محمد بن الحسن. ١ هـ.
قلت والعبارة الأخيرة كاملة كما في معجم الأدباء [٧/ ٢٥٦] وابن العديم في ترجمة أبي علي [مجلة المجمع] قال ابن جني: وحدّثني أبو علي أنّه وقع حريق بمدينة السلام فذهب له جميع علم البصريين، قال: وكنت قد كتبت ذلك كلّه بخطي، وقرأته على أصحابنا، فلم أجد من الصندوق الذي احترق شيئا البتة إلّا كتاب الطلاق عن محمد بن الحسن.
وهذه الفقرة تدل دلالة واضحة على تحصيل أبي علي الفارسي علم البصريين وقراءة ذلك كلّه على أصحابه بما فيه الفقه، وخاصة فقه أبي حنيفة.