للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما تعد به الملوك من صلاتها وجوائزها لا ما تلفظ به. وكان أبو الحسن يقول: إنّ ذلك بمنزلة قوله: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» «١» أي: العائد في موهوبه. قال: ألا ترى أن العود لا يكون إلى الهبة التي هي نطق بلفظ يوجب التمليك مع القبض. فإذا لم يجز ذلك، كان المراد الموهوب.

قال: ومن ثمّ لم يوجب أبو حنيفة الكفّارة على من حلف بعلم الله ثم حنث، لأن العلم صار في تعارف الناس:

المعلوم «٢»، ألا تراهم يقولون: غفر الله لك علمه فيك، وإنما يراد معلومه. فكذلك قوله: لما قالوا يراد به المقول فيه. ومن ذلك قوله: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ

[الروم/ ٢٧] والخلق هنا المخلوق، فهذا في المعنى كقوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف/ ٢٩] ألا ترى أن الذي يعاد هو الأجسام المنشرة.

فاللّام في قوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة/ ٣] على قول أبي الحسن عبيد الله بن الحسين بمعنى إلى. وإلى واللام يتعاقبان في هذا النحو. ويقع كلّ واحد منها موقع الآخر. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف/ ٤٣] وقال فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات/ ٢٣] وقال:

قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ


(١) الحديث: في صحيح البخاري ٣/ ٢١٥ كتاب الهبة وفضلها باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، وفي مسلم في كتاب الهبات ٣/ ١٢٤١ وانظر جامع الأصول ١١/ ٦١٥.
(٢) انظر كتاب الهداية للمرغيناني في الفقه الحنفي ٢/ ٧٣ وفتح القدير ٤/ ٩.