للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبهة الأولى: أنتم أعلم بأمر دنياكم:

عَنْ أَنَسٍ سدد خطاكم أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ». قَالَ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: «مَا لِنَخْلِكُمْ». قَالُوا: «قُلْتَ كَذَا وَكَذَا»، قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ». (رواه مسلم).

قصة هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ في المدينة على قوم يؤبرون النخل - أي يلقحونه - فقال: «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ»، فامتنع القوم عن تلقيح النخل في ذلك العام ظنًا منهم أن ذلك من أمر الوحي، فلم ينتج النخل إلا شيصًا (أي بلحًا غير ملقح، وهو مُرٌّ لا يُؤْكَل)، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على هذه الصورة سأل عما حدث له، فقَالُوا: «قُلْتَ كَذَا وَكَذَا»، فقَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».

وفي صحيح مسلم أيضًا عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ». فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِى الأُنْثَى فَيَلْقَحُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا أَظُنُّ يُغْنِى ذَلِكَ شَيْئًا». قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِذَلِكَ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّى إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلاَ تُؤَاخِذُونِى بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّى لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».

الجواب:

قصة الحديث واضحة الدلالة فيما تركه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للناس من أمور يتصرفون فيها بمعرفتهم، لأنهم أعلم بها وأخبر بدقائقها، إنها المسائل العلمية الفنية التطبيقية التي تتناولها خبرة الناس في الأرض، منقطعة عن كل عقيدة أو تنظيم سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، وهي في الوقت ذاته تصلح للتطبيق مع كل عقيدة وكل تنظيم، لأنها ليست جزءًا من أي عقيدة أو أي تنظيم.

بل إنها حقائق علمية مجردة عن وجود الإنسان ذاته بكل عقائده وكل تنظيماته. كحقيقة اتحاد الأكسجين والهيدروجين لتكوين الماء، وحقيقة انصهار الحديد في درجة

<<  <  ج: ص:  >  >>