٤٣ - عاشوراء وشهر الله المحرّم
• عظموا ما عظّم الله:
إن شهر الله المحرّم شهر عظيم مبارك وهو أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} الآية (٣٦) سورة التوبة
وقال النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: « .. السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» (رواه البخاري).
والمحرم سمي بذلك لكونه شهرًا محرما وتأكيدا لتحريمه.
وقوله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها. وعن ابن عباس في قوله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما وعظّم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم.
وقال قتادة في قوله - عز وجل - {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}: «إن الظّلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها. وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء».
وقال أيضًا: «إن الله اصطفى صفايا من خلقه: اصطفى من الملائكة رسلًا، ومن الناس رسلًا، واصطفى من الكلام ذكرَه، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر فعظموا ما عظّم الله، فإنما تُعَظّم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل».
• فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ» (رواه مسلم).
(شَهْرُ اللهِ) إضافة الشّهر إلى الله إضافة تعظيم، قال القاري: الظاهر أن المراد جميع شهر المحرّم. ولكن قد ثبت أنّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يصم شهرًا كاملا قطّ غير رمضان فيُحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله.
وقد ثبت إكثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصوم في شعبان ولعلّ لم يوحَ إليه بفضل المحرّم إلا في آخر الحياة قبل التمكّن من صومه.
• عاشوراء في التاريخ:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - مَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (رواه البخاري).
وفي رواية للبخاري أيضا: «فقال لأصحابه: أنْتُمْ أحَقّ بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوا». أي نحنُ أثبت وأقرب لمُتابعة مُوسى - صلى الله عليه وآله وسلم - منهم، فإنّا مُوافقُون لهُ في أُصُول الدّين، ومُصدّقُون لكتابه، وهم مُخالفُون لهُما بالتّغيير والتّحريف.
ومن العبر التي نأخذها من هذا الحديث أن رابطة الإيمان تتخطى حواجز الزمان والمكان فالمسلمون شرع لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صيام هذا اليوم شكرًا لله - عز وجل - على نجاة موسى - عليه السلام - وأتباعه المؤمنين.
ومن العبر أن أيام النصر لا تعاد ذكراها بالمعاصي والكفران بل بالشكران لله صاحب الفضل أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا , والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يتخذ يوم عاشوراء عيدًا بل إنه صامه وأمر بصيامه ولو كان عيدًا لما صامه لأن الأعياد لا يجوز صيامها , بل صامه شكرًا لله على إنجائه موسى ومن معه وإهلاكه فرعون وجنوده.