[١٧ - الإصلاح بين الناس]
• عبادة فرطنا فيها:
إن إصلاح ذات البين والإصلاح بين المتخاصمين عبادة عظيمة جدًا فرط فيها الكثير، ولذلك عمت الفرقة والشتات في كثيرٍ من طبقات المجتمع ونواحيه، وتفككت كثيرٌ من الأسر، ولو أن المسلمين تدخلوا كما أمر الله - عز وجل - لَتَفادَيْنا كثيرًا من الشر.
كونُوا جميعًا يا بَنِيَّ إذا اعْتَرَى خَطْبٌ ولا تتفرقُوا آحَادَا
تأبَى الرماحُ إذا اجْتَمَعْنَ تكسُّرًا وإذا افترقْنَ تكسَّرتْ أفرادَا
• الضغينة حرمان من المغفرة:
إن الشريعة الإسلامية قد جعلت أمر مصارمة المسلم لأخيه أمرًا خطيرًا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» (رواه مسلم).فيحرم المتصارمان من مغفرة الله تعالى بسبب الشقاق الذي قام بينهما وبسبب الهجران الذي حل بينهما.
• لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» (صحيح رواه أبو داود).
(فَمَاتَ): أَيْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَة مِنْ غَيْر تَوْبَة. (دَخَلَ النَّار): أَيْ اِسْتَوْجَبَ دُخُول النَّار.
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» (صحيح رواه الترمذي).
(أَخَاهُ) أَيْ الْمُسْلِمَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أُخُوَّةِ الْقَرَابَةِ وَالصَّحَابَةِ.
(فَوْقَ ثَلَاثٍ) فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ: «فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» وَالْمُرَادُ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْهَجْرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَإِبَاحَتُهَا فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلُ بِنَصِّ الْحَدِيثِ، قَالُوا: «وَإِنَّمَا عَفَا عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ مِنْ الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَفَا عَنْ الْهَجْرِ الثَّلَاثَ لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ».
(يَلْتَقِيَانِ) أَيْ يَتَلَاقَيَانِ.
(فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا) مَعْنَى يَصُدُّ يُعْرِضُ أَيْ يُوَلِّيهِ عُرْضَهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ جَانِبُهُ، وَالصُّدُّ بِضَمِّ الصَّادِ، وَهُوَ أَيْضًا الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ.
(وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) أَيْ هُوَ أَفْضَلُهُمَا.
• الخصومة من سعي الشيطان:
والشيطان أيس أن يعبده المسلمون في جزيرة العرب، ولكنه رضي بالتحريش فيما بينهم وبما يحقرون من الأمور المنكرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» (رواه مسلم).
وَمَعْنَاهُ: أَيِس أَنْ يَعْبُدهُ أَهْل جَزِيرَة الْعَرَب، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيش بَيْنهمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاء وَالْحُرُوب وَالْفِتَن وَنَحْوهَا.
وذلك هو واقع كثير من المسلمين اليوم عندما ابتعدوا عن الكتاب والسنة وتحكيمهما في حياتهم في كل صغيرة وكبيرة، فلعدم الإنصاف بين المتخاصمين وظلمهم لبعضهم، ولعدم تدخل المصلحين بينهم امتلأت المحاكم بالخصومات والدعاوى الكيدية، وفشا الظلم وانتشر.
وساعدهم على ذلك المماطلة وعدم معرفة الحق ودراسته ومعرفة الحق من الباطل، أو الوقوف بجانب الباطل من قبل ضعاف النفوس، وتدخل جهات للفصل في الخصومات ليس لها علاقة شرعية، حيث تعددت الاختصاصات وتباينت، والمعروف في الإسلام والواجب الذي يجب أن يكون التحاكم إليه هو الكتاب والسنة.