عَنْ أَبي ذَرٍّ ومعاذِ بن جَبَلٍ - رضي الله عنهما -:أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:«اتَّقِ الله حَيثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». (حسن رواه التِّرمِذيُّ).
قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» هذا من خصال التقوى، ولا تَتِمُّ التقوى إلا به، وإنَّما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه، فإنَّ كثيرًا من النَّاس يظنُّ أنَّ التقوى هي القيامُ بحقِّ اللهِ دونَ حقوق عباده، فنصَّ له على الأمر بإحسان العشرة للناس؛ فإنَّه كان قد بعثه إلى اليمن مُعلمًا لهم ومُفقهًا وقاضيًا، ومَنْ كان كذلك، فإنَّه يحتاج إلى مخالقَةِ النَّاسِ بخلق حسن ما لا يحتاج إليه غيرُه ممن لا حاجةَ للنَّاس به ولا يُخالطهم.
وكثيرًا ما يغلب على من يعتني بالقيامِ بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمالُ حقوق العباد بالكُلِّيَّة أو التقصير فيها، والجمعُ بَيْنَ القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيزٌ جدًا لا يَقوى عليه إلاَّ الكُمَّلُ مِنَ الأنبياءِ والصديقين.
للخيرِ أهْلٌ لا تزالُ ... وجوهُهُم تدعُو إليْه
طوبَى لمن جَرَتِ الأمورُ ... الصالحاتُ على يدَيْه
ما لم يضِقْ خُلُقُ الفتَى ... فالأرضُ واسعةٌ عليْه
• فضائل حسن الخلق:
وقد عدَّ الله في كتابه مخالقة الناس بخلق حسن من خصال التقوى، بل بدأ بذلك في قوله:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران:١٣٣ - ١٣٤).
وقد جعل النَّبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - حسن الخلق من أحسن خصال الإيمانِ فقال:«أكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إيمَانًا أحْسَنُهُمْ خُلُقًا»(إسناده حسن رواه الإمام أحمد وأبو داود).