من نبذ خلق التواضع وتعالى وتكَبَّر إنما هو في الحقيقة معتد على مقام الألوهية؛ لأن الكبرياء والعظمة لله وحده، ولا يجوز للعبد أن يتصف بهما أو بأحدهما.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ»(صحيح رواه أبو داود).
فليسَ بغريب إذًا أن نجد التواضع من صفات الصالحين. ومن أخص خصال المؤمنين المتقين ومن كريم سجايا العاملين. قال الله تعالى:{يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَـ?فِرِينَ}(المائدة:٥٤).
وقال الله لنبيه والخطاب عام له ولأمته:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(الشعراء ٢١٥) وقال تعالى: {وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(لقمان:١٨).وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ: أي ولا تُعرض بوجهك عمن تكلمه تكبرًا. مَرَحًا: أي مختالًا تمشي خيلاء. مُخْتَالٍ فَخُورٍ: أي متبختر فخور كثير الفخر مما أعطاه الله ولا يشكر.
وقال - عز وجل -: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى? كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ}(غافر:٣٥).
«كَذَلِكَ» أي: كما طبع على قلوب آل فرعون «يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» متكبر في نفسه على الحق برده، وعلى الخلق باحتقارهم، جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
واعلم أخي المسلم: أن الكبر من أخلاق الكفار الفراعنة، والتواضع من أخلاق الأنبياء والصالحين لأن الله تعالى وصف الكفار بالكبر فقال:{إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـ?هَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ}(الصافات:٣٥).وقال:{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}(النحل:٢٣).