ولم يأت فيها ما يدل على أنه كان يرتلها، ومعلوم أن الترتيل إنما يكون عند التلاوة ويدل على ذلك قوله تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا}(المزمل:٤).
ولذا فإنني لا زلتُ أبحث جاهدًا للوصول إلى نتيجة مقنعة تؤكد ما يذكره البعض من أن هذا بدعة في الخطب، إلا أن صعوبة التبديع تجعلني أتقاصر عن هذا البحث، ولكنني أقول: إن هذا خلاف سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المعروفة عنه بالاستقراء سواء كانت في أثناء الخطبة أو في أثناء حديثه للصحابة - رضي الله عنهم -، لا أعلم بعد التتبع ما يدل على أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرتل الآية الواحدة أو الآيتين في الاستشهاد. والعلم عند الله تعالى.
[اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية]
لا يقِلّ الاستشهاد بالحديث النبوي أهمية عن الاستشهاد بالقرآن، فإن السنة شارحة للكتاب العزيز، مفصلة ومبينة لمُجْمَله، مخصِّصَة لعامِّه، ولا يستغني الخطيب عن دعم رأيه، وتقوية حجته بحديث النبي المعصوم - صلى الله عليه وآله وسلم -، لكن عليه أن يراعي الأمور التالية عند الاستشهاد بالحديث النبوي:
١ - تجنب التحريف في المعنى والتكلف في حمل الحديث على غير ما يحتمله معناه لتقوية رأي، أو مذهب، أو جماعة، أو نصرة فئة على فئة.
٢ - تجنب ذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والواهية، فإنه لا خير فيها، ولا نور عليها، بل إن ذكرها وحملها وتبليغها إلى الناس له دور خطير في نشر العقائد الفاسدة، والبدع والضلالات، لاسيما وأن العامة لا تمحيص ولا تثبت لديهم، فسرعان ما تنتشر مثل هذه الأمور فيما بينها لتعلقها بالغرائب، مع الاستهانة بما يترتب عليها من مفاسد.
ولا يُعفي الخطيب من التبعة أن يكون حسن النية سليم القصد، هدفه التأثير في القلوب، والترغيب في الإصلاح فإن الغاية المشروعة لا تسوغ الوسيلة المحرمة،