للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٢ - مفهوم الإفساد في الإسلام

من أعظم الإفساد الصد عن سبيل الله - سبحانه وتعالى - وتعطيل شريعته:

قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)} (النحل: ٨٨). حيث كفروا بأنفسهم، وكذبوا بآيات الله، وحاربوا رسله، وصدوا الناس عن سبيل الله - عز وجل -، وصاروا دعاة إلى الضلال فاستحقوا مضاعفة العذاب، كما تَضاعَف جرمُهم، وكما أفسدوا في أرض الله - عز وجل -.

تطبيق القوانين الوضعيّة والبعد عن شرع الله - سبحانه وتعالى - من أعظم الفساد في الأرض:

قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)} (المؤمنون: ٧١).

فالحق واحد ثابت، والأهواء كثيرة متقلبة. وبالحق الواحد يُدَبَّر الكون كلّه، فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض، ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة. ولو خضع الكون للأهواء العارضة، والرغبات الطارئة لَفَسَد كله، ولفسد الناسُ معه، ولفسدت القيم والأوضاع، واختلت الموازين والمقاييس، وتأرجحت كلها بين الغضب والرضى، والكره والبغض، والرغبة والرهبة، والنشاط والخمول، وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات، وبناء الكون المادي واتجاهه إلى غايته كلاهما في حاجة إلى الثبات والاستقرار والاطراد، على قاعدة ثابتة، ونهج مرسوم، لا يتخلف ولا يتأرجح ولا يحيد.

ومن هذه القاعدة الكبرى في بناء الكون وتدبيره، جعل الإسلام التشريع للحياة البشرية جزءًا من الناموس الكوني. والبشر جزء من هذا الكون خاضع لناموسه الكبير؛ فأولى أن يشرع لهذا الجزء من يشرع للكون كله، ويدبره في تناسق عجيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>