للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحريم مس الرجل المرأة الأجنبية، بعض الناس يقول: أنا لا أصافحها مباشرة بل أصافحها من وراء حائل، أي أني أدخل يدي في عمامتي ثم أصافح، أو أمسك طرف العباءة وأصافح، هذا غير صحيح ولا يجوز. . لا مباشرة ولا من وراء حائل، بعض الناس يفعلونه لهذا الحديث الضعيف: «كان يصافح النساء وعلى يده ثوب»، وهو لم يثبت، بل إن الذي ثبت أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما مست يده يد امرأة أجنبية قط.

مشروعية الرقص والتواجد عند الذكر، ويخترعون لذلك أحاديث كحديث: «ليس بكريمٍ من لم يتواجد عند ذكر الحبيب»، إذا ذُكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يقم من سمعه يرقص ويتواجد فليس بكريم.

[١٢ - الابتداع في العبادة، ومخالفة السنة]

مثل: إضافة مسح الرقبة في الوضوء، ألم تروا أناسًا يمسحون رقابهم عند الوضوء؟ فهذه الزيادة في الوضوء من أين أتَتْ؟ أصلها من هذا الحديث الموضوع: «من توضأ ومسح عنقه لم يُغَلّ بالأغلال يوم القيامة»، انتهى الأمر! كل واحد لا يريد أن يُغَلّ بالأغلال يوم القيامة فما عليه إلا أن يمسح رقبته، مع أن المسح غير وارد، ولم يثبت عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه مسح رقبته.

[١٣ - مساواة المسلمين بأهل الذمة]

مثل حديث: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» يعني أهل الذمة، وهذا غير صحيح، إنها أحاديث تنافي أحكامًا شرعية (١).


(١) قال الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (رقم ١١٠٣): «وقد اشتهر في هذه الأزمنة المتأخرة، على ألسنة كثير من الخطباء والدعاة والمرشدين، مغترين ببعض الكتب الفقهية، مثل (الهداية) في المذهب الحنفي، وقد أشار الحافظان الزيلعي وابن حجر إلى أن الحديث لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن صاحب (الهداية) قد وهم في زعمه ورود ذلك في الحديث.
بل قد جاء ما يدل على بطلان ذلك، وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إلّا بِحَقِّهَا، ... =

= لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ». وإسناده صحيح على شرط الشيخين. فهذا نص صريح على أن الذين قال فيهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الجملة: «لهم ما لنا، وعليهم ما علينا» ليس هم أهل الذمة الباقين على دينهم، وإنما هم الذين أسلموا منهم، ومن غيرهم من المشركين!
وهذا هو المعروف عند السلف، فقد حدث أبُو الْبَخْتَرِيِّ أَنَّ جَيْشًا مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ أَمِيرَهُمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَاصَرُوا قَصْرًا مِنْ قُصُورِ فَارِسَ فَقَالُوا: «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَلَا نَنْهَدُ إِلَيْهِمْ». قَالَ: «دَعُونِي أَدْعُهُمْ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يَدْعُوهُمْ»، فَأَتَاهُمْ سَلْمَانُ فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ فَارِسِيٌّ تَرَوْنَ الْعَرَبَ يُطِيعُونَنِي؛ فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مِثْلُ الَّذِي لَنَا وَعَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا دِينَكُمْ تَرَكْنَاكُمْ عَلَيْهِ وَأَعْطُونَا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ». قَالَ: «وَرَطَنَ إِلَيْهِمْ بِالْفَارِسِيَّةِ: «وَأَنْتُمْ غَيْرُ مَحْمُودِينَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ». قَالُوا: «مَا نَحْنُ بِالَّذِي نُعْطِي الْجِزْيَةَ وَلَكِنَّا نُقَاتِلُكُمْ». فَقَالُوا: «يَا أَبَا عَبْدِ الله، أَلَا نَنْهَدُ إِلَيْهِمْ؟». قَالَ: «لَا»، فَدَعَاهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَى مِثْلِ هَذَا ثُمَّ قَالَ: «انْهَدُوا إِلَيْهِمْ». قَالَ: «فَنَهَدْنَا إِلَيْهِمْ فَفَتَحْنَا ذَلِكَ الْقَصْرَ». (أخرجه الترمذي وقال: «حديث حسن» وأحمد من طرق عن عطاء بن السائب عنه).
ولقد كان هذا الحديث (أي حديث لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ونحوه من الأحاديث الموضوعة والواهية سببًا لتبَنِّي بعض الفقهاء من المتقدمين، وغير واحد من العلماء المعاصرين، أحكامًا مخالفة للأحاديث الصحيحة، فالمذهب الحنفي مثلا يرى أن دم المسلمين كدم الذميين، فيقتل المسلم بالذمي، ودِيَتُه كدِيَتِه مع ثبوت نقيض ذلك في السنة على ما بينْتُه في حديث سبق برقم (٤٥٨)، وذكرت هناك من تبناه من العلماء المعاصرين!
وهذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه اليوم طالما سمعناه من كثير من الخطباء والمرشدين يرددونه في خطبهم، يتبجحون به، ويزعمون أن الإسلام سوَّى بين الذميين والمسلمين في الحقوق، وهم لا يعلمون أنه حديث باطل لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -! فأحببت بيان ذلك، حتى لا يُنْسَب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما لم يقل!
ونحوه ما روى أبو الجنوب قال: قال علي سدد خطاكم: «من كانت له ذمتنا، فدمه كدمنا، وديته كديتنا». أخرجه الشافعي (١٤٢٩) والدارقطني (٣٥٠) وقال: «وأبو الجنوب ضعيف».
وأورده صاحب (الهداية) بلفظ: «إنما بذلوا الجزية، لتكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا».
وهو مما لا أصل له، كما ذكرته في " إرواء الغليل " (١٢٥١). (اهـ كلام الألباني باختصار وتصرف يسيرين).
وقال الألباني أيضًا في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة رقم ٢١٧٦): «وإن مما يؤكد بطلانه (أي حديث لهم ما لنا، وعليهم ما علينا) مخالفته لنصوص أخرى قطعية كقوله تعالى: ... =
= {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)} (القلم: ٣٥ - ٣٦)، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»، وقوله: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ»، وقوله: «لاَ تَبْدَءُوا اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى بِالسَّلاَمِ»، وكل هذه الأحاديث مما اتفق العلماء على صحتها». اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>