تاسعًا: التوكل على الله - عز وجل - وتفويض الأمر إليه:
فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير. وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه وأنه أعلم بمصلحة العبد من العبد، وأقْدَر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد لنفسه وأرحم به منه بنفسه، وأبرّ به منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدَيْ تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر.
فألقى نفسه بين يديه وسلّم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قاهر له التصرف في عبده بما شاء، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات. وحمَّل كل حوائجه ومصالحه مَن لا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها.
فتولاها دونه وأرَاهُ لطفَه وبِرَّه ورحمته وإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب، ولا اهتمام منه؛ لأنه قد صرف اهتمامه كله إليه وجعله وحدَه هَمَّه. فصَرَف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه، وفرَّغ قلبه منها، فما أطيبَ عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.
وأما مَن أبَى إلا تدبيره لنفسه واختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه، خلاه وما اختاره وولاه ما تولى فحضره الهم والغم والحزن والنكد والخوف والتعب، وكسف البال وسوء الحال، فلا قلب يصفو، ولا عمل يزكو، ولا أمل يحصل، ولا
(١) بتصرف من رسالة علاج الهموم للشيخ محمد صالح المنجد.