٣١ - قُلْ: آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإسْلَامِ قَوْلًا لَا أسْألُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ، قال: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ» (رواهُ مُسلم).
ولفظ الترمذي: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: «قُلْ رَبِّيَ اللهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا» (صحيح رواه الترمذي).
• كلام جامع:
طلب سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - من النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أنْ يُعلمه كلامًا جامعًا لأمر الإسلام كافيًا حتّى لا يحتاجَ بعدَه إلى غيره، فقالَ لهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ».
وهذا منتزع من قوله - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت:٣٠)، وقوله - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأحقاف:١٣ - ١٤).
قال أبو بكر الصديق سدد خطاكم في تفسير {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: لم يشركُوا بالله شيئًا. وعنه قال: لم يلتفتوا إلى إله غيره. وعنه قال: ثم استقاموا على أنَّ الله رَبُّهم.
ورُوي عن عمر بن الخطاب سدد خطاكمأنَّه قرأ هذه الآية على المنبر {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} فقال: لم يَروغوا رَوَغَانَ الثَّعلب.
وروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: استقاموا على أداءِ فرائضه.
وعن أبي العالية، قال: ثمَّ أخلصوا له الدينَ والعملَ.
وعن قتادة قال: استقاموا على طاعة الله.
وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: اللهمَّ أنت ربُّنا فارزقْنا الاستقامة.
ولعل من قال: إنَّ المرادَ الاستقامة على التوحيد إنَّما أرادَ التوحيدَ الكاملَ الذي يُحرِّمُ صاحبَه على النار، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله، فإنَّ الإله هو الذي يُطاعُ، فلا يُعصى خشيةً وإجلالًا ومهابةً ومحبةً ورجاءً وتوكُّلًا ودعاءً.
والمعاصي كلُّها قادحة في هذا التوحيد؛ لأنَّها إجابة لداعي الهوى وهو الشيطان، قال الله - عز وجل -: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:٢٣) قالَ الحسن وغيره: «هوَ الذي لا يهوى شيئًا إلاَّ ركبه»، فهذا يُنافي الاستقامة على التوحيد.
قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قُلْ: آمنْتُ بِاللِه» الإيمانَ يدخل فيه الأعمالُ الصالحة؛ فالإيمان قول وعمل، قول باللسان وهو الإقرار، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، مع الإخلاص بالنية الصادقة.
وقال الله - عز وجل -: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (هود:١١٢).فأمره أنْ يستقيمَ هوَ ومن تاب معه، وأنْ لا يُجاوزوا ما أُمِروا به، وهو الطغيانُ، وأخبر أنَّه بصيرٌ بأعمالهم، مطَّلعٌ عليها.
وقال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} (الشورى:١٥).قال قتادة: أُمِرَ محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أنْ يستقيمَ على أمر الله. وقال الثوري: على القرآن.
وقال - عز وجل -: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} (فصلت:٦).
وقد أمرَ الله تعالى بإقامةِ الدِّين عمومًا كما قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى:١٣)، وأمر بإقام الصلاة في غير موضعٍ من كتابه، كما أمر بالاستقامة على التوحيد في تلك الآيتين.