للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطب مناسبات]

٤١ - الزكاة (١)

• الغنى والفقر ابتلاء:

إن الله - عز وجل - قد خلق الغنى والفقر مَطِيَّتَيْنِ للابتلاء والامتحان ولم ينزل المال لمجرد الاستمتاع به فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا، فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: «إِنَّ اللهَ - عز وجل - قَالَ: «إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ» (صحيح رواه الإمام أحمد). (وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ) أي لا يزال حريصًا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره.

والمراد بابن آدم الجنس باعتبار طبعه وإلا فكثير منهم يَقْنَعُ بما أعطِي ولا يطلب زيادة، لكن ذلك عارضٌ له من الهداية إلى التوبة كما يومئ إليه قوله - عز وجل - (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ) أي يقبل التوبة من الحرص المذموم ومن غيره، أو (تَابَ) بمعنى وُفِّق، يقال تاب الله عليه أي وفقه، ىيعني: جُبِل الآدمي على حب الحرص إلا من وفق اللهُ وعصمه.

وفي ذكر ابن آدم دون الإنسان إيماء إلى أنه خلق من تراب طبعه القبض واليُبْس، وإزالته ممكنة بأن يمطر الله عليه من غمام توفيقه.

فأخبر - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث أن الله - عز وجل - أنزل المال ليُستَعَانَ به على إقامة حقه بالصلاة وإقامة حق عباده بالزكاة لا للاستمتاع والتلذذ كما تأكل الأنعام. فإذا خرج المال عن هذين المقصودين فإن الغرض والحكمة التي أنزِل لها كان التراب أولى به.

دَعِ الحرْصَ على الدنيَا ... وفي العَيْشِ فلا تَطْمَعْ

ولا تَجْمَعْ من المالِ ... فلا تَدْري لمن تَجْمَعْ

• ما هي الزكاة:

الزكاة اسم لما يخرجه الانسان من حق الله تعالى إلى الفقراء، وسميت زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة، وتزكية النفس وتنميتها بالخيرات.

فإنها مأخوذة من الزكاة، وهو النماء والطهارة والبركة، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة:١٠٣). أي خذ ـ أيها الرسول ـ من أموال المؤمنين صدقة معينة كالزكاة المفروضة، أو غير معينة، وهي التطوع، تطهرهم بها من دنس البخل والطمع، والدناءة والقسوة على الفقراء والبائسين، وما يتصل بذلك من الرذائل، وتزكي أنفسهم بها، أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية والعملية، حتى تكون بها أهلا للسعادة الدنيوية والأخروية.

• حكمة الزكاة: المسلم الغنى ينظر إلى ثروته وأمواله كأمانة استأمنه الله عليها ينبغي عليه أن يؤدى حقها ويستعملها فيما يُرضي الله تعالى، ويحث الله


(١) إذا ثبت لرجل أو لامرأة الصحبة فلا يمكن أن يقبل لمزة بالنفاق إلا بإسناد صحيح، ولهذا لا يصح قول من قال: إن ثعلبة بن حاطب الأنصاري - رضي الله عنه - ـ وهو ممن شهد غزوة بدر ـ هو المقصود بقوله - عز وجل -: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} (التوبة: ٧٥).
وهذه القصة ـ التي يذكرها كثير من الخطباء في أثناء حديثهم عن الزكاة ـ لا تصح سندًا ولا مَتْنًا، أما سندًا فهى من طريق معان بن رفاعة عن على بن يزيد، وكلاهما لا يصح حديثه.
وأما متنًا فالنبى - صلى الله عليه وآله وسلم - قرر أن مانع الزكاة تؤخذ منه قسرًا، وحارب أبو بكر الصديق سدد خطاكم مانعي الزكاة، فكيف يرفض أخذها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -؟

<<  <  ج: ص:  >  >>