اقْنَعْ بأيسرِ رِزقٍ أنت نائلُه ... واحذرْ ولا تتعرضْ للإراداتِ
فما صفَا البحرُ إلا وهو منتقصٌ ... ولا تعكَّرَ إلا في الزياداتِ
يزداد التسخط في الناس وعدم الرضى بما رزقوا إذا قلت فيهم القناعة. وحينئذ لا يرضيهم طعام يشبعهم، ولا لباس يواريهم، ولا مراكب تحملهم، ولا مساكن تكنّهُم؛ إذ يريدون الزيادة على ما يحتاجونه في كل شيء، ولن يشبعهم شيء؛ لأن أبصارهم وبصائرهم تنظر إلى من هم فوقهم، ولا تبصر من هم تحتهم؛ فيزدرون نعمة الله عليهم، ومهما أوتوا طلبوا المزيد، فهم كشارب ماء البحر لا يرتوي أبدًا.
ومن كان كذلك فلن يحصل السعادة أبدًا؛ لأن سعادته لا تتحقق إلا إذا أصبح أعلى الناس في كل شيء، وهذا من أبعد المحال؛ ذلك أن أي إنسان إن كَمُلت له أشياء قصُرَت عنه أشياء، وإن علا بأمور سَفُلَت به أمور؛ لذا كانت القناعة والرضى من النعم العظيمة، والمنح الجليلة التي يغبط عليها صاحبها.
• مفهوم القناعة:
توجد علاقة متينة بين القناعة وبين الزهد والرضى، ولذلك عرف بعض أهل اللغة القناعة بالرضى، والقانع بالراضي.
وقيل: القناعةألا تتجاوز إرادتك ما هو لك في وقتك.
والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يقتنع بالبُلْغَة من دنياه ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه؛ وهذا أعلى منازل أهل القناعة.
قال مالك ابن دينار:«أزهدُ الناس من لا تتجاوز رغبته من الدنيا بُلْغَته».
الوجه الثاني: أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة. وهذا أوسط حال المقتنع، وذكر فيه قول بعضهم:«من رضي بالمقدور قنع بالميسور».