تعددت القصص في القرآنية الكريم، وتعددت أغراضها وفوائدها، إذ فيها تثبيت لفؤاد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وموعظة وذكرى للمؤمنين، وعبرة لأولي الألباب، أو نجد القرآن يوجه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن يتخذ القصة مسلكًا من مسالك نشر دعوته، ووسيلة يستخدمها في توجيه الناس، فيأمره بمخاطبة الناس عبر قص قصص الأولين عليهم، حتى يكون لهم في آثار السابقين عبرة وهدى وموعظة حسنة، فقال تعالى:{ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الأعراف- ١٧٦).
ومما يؤسف له حقا أن المنابر تكاد تخلو من التذكير بما قصه القرآن الكريم من القصص، مع عظم العبرة، وقوة الموعظة فيها، فإن الخطيب البارع يستطيع أن ينزلها على واقع المخاطبين مع الإيجاز والتوجيه لتغدو أحداثها كأنما هي واقعة بينهم، ماثلة أمام أعينهم.
ومهما كانت القصة طويلة، فإنه يستطيع أن يخلص إلى زُبدتها وخلاصتها بأسلوب بليغ وجيز، وبأداء فصيح لا يتجاوز في زمنه دقائق معدودة، بل ربما رأى أن الأفضل توزيعها على أكثر من خطبة، مع ربط بواقع الناس والتحذير من نقمة الله تعالى وأليم عقابه، وشدة بطشه، وبيان سنته في المكذبين والمعرضين الغافلين، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا}(فاطر:٤٣).
إن الخطيب البليغ، والداعية الموفق لا ينبغي له أن يغفل عن هذه الذخيرة الجليلة من بيان ما يذكر به، فإن التذكير بالقصة تذكير بالقرآن، وقوة بيانه، وبلاغة عرضه للأحداث، وعواقب الأعمال دون أدنى شائبة من ضعف الحوار أو طروء الخيال، أو عدم مطابقة الواقع.