للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن من خصائص القصة القرآنية أنها صالحة للاعتبار والاستشهاد في كل زمان، ولا عجب فهي جزء من هذا القرآن الذي هو موعظة دائمة، ورسالة خالدة لا تنفد خزائنه، ولا تنقضي عجائبه.

• نموذج:

خذ مثلا من القصة القرآنية قصة (أصحاب الجنة) الذين غرهم المال، وغيَّرهم الجشع والطمع، فمنعوا حق المساكين الذين كان والدهم يوصله إليهم، فلقد كان للمساكين نصيب من العطاء عندما كان صاحب تلك الجنة حيًا، ثم لما مات تآمر أبناؤه فيما بينهم واستكثروا ما ينقطع لهؤلاء المساكين من مالهم، فاتفقوا على أن يقطعوا الثمر في وقت مبكر من النهار حيث يأمَنون تعرض المساكين لهم في هذا الوقت الباكر.

وأقسموا اليمين على ذلك دون استثناء، فباتوا على كيد وغدوا على حرد، وإذا بطائف من الله تعالى يطوف عليها شجرة شجرة، وثمرة ثمرة، فلا يبقي منها باقية، فكأنه سبقهم إليها من صرمها وأتى على ثمارها كلها.

فانظر كيف قوبل مكرهم وشدة تعميتهم وتبييتهم لسوء النية بهذا الانتقام الإلهي السريع {قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} (يونس:٢١)، ثم تخلص القصة إلى العبرة العظيمة: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلمونَ} (القلم - ٣٣).

ألا ترى أن القصة في أحداثها وعبرتها تصلح أن تكون تذكارًا صارخًا في كل جيل لأولئك الذين بطروا نعمة الله، وبدلوها جحودًا، وما نقموا إلا أن أغناهم الله ووسع عليهم من فضله، وبسط لهم الرزق، فأمسكتْ أيديهم، وشحَّتْ قلوبهم، ومنعوا حقَّ الله عبادَ الله، وأخفوا الشر ومنعوا الخير.

إنه نموذج من الكنود البشري المتكرر، تصلح له هذه التذكرة القرآنية في كل عصر، وهكذا كل القصص القرآني، فإنه يصلح أن يكون عظة بليغة وتذكرة حالة إذا أحسن ربطه بالواقع، بأسلوب موجز، وعرض محكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>