للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٢ - الامتحانات، كل منا ممتحن (١)

• شتان بين اهتمام واهتمام، وبين امتحان وامتحان:

يخوض أبناؤنا وإخواننا ذكورًا وإناثًا غمار الامتحانات الدراسية، وبهذه المناسبة تجد القلوب وَجِلَة، والأذهان قلقة، والآذان تتلقف الأخبار عن الامتحان، قلَّمَا تجد منزلا لم تُعلَن فيه حالات الطوارئ، كل أب ينتظر بصبر وعلى مضض نتيجة ابنه في هذا الامتحان؛ لأنه يرجو له النجاح، تراه يدعو الله بتوفيقه وتسديده وتثبيته، يعده ويمنِّيه إن نجح، ويتوعده ويحذره ويهدده إن رسب، وهذا إحساس من الأحاسيس التي فُطِر عليها البشر.

لكن أيها الأب الحنون وقد اهتممت بابنك هذا الاهتمام، فأنت به الآن مشغول، تسعى وتصول وتجول، تهتم به وترعى، وتحس أنك عنه مسؤول، فهلا كان الاهتمام بآخرته كالاهتمام بدنياه، هلاَّ كان الاهتمام به بعد موته كالاهتمام براحته في حياته، علمك وما علمك، مسئوليتك وما مسئوليتك، أحاطت بعلوم الدنيا فأهملت الأخرى الباقية، شُغِلتَ به في حياته، وأهملتَه بعد مماته، بنيتَ له بيتَ الطين والإسمنت في دنياه، وحرمْتَه بيت اللؤلؤ والياقوت والمرجان في أخراه.

نظرتك وما نظرتك، طموحك، أمَلُك، غاية مُنَاكَ أن يكون طبيبًا أو مهندسًا أو طيارًا، ويا الله كل الأماني دنيوية! السعي والجد للفانية مع إهمال الباقية، بعض الناس تأهبوا واستعدوا وعملوا على تربية أبناءهم أجسادًا وعقولا، وأهملوا تربية القلوب التي بها يحيون ويسعدون، أو بها يشقون.

هذا هو الواقع، وها هي الأدلة على ما نقول أيها الأب الحنون.


(١) هذه الخطبة مقتبسة بتصرف من محاضرة للشيخ علي القرني بعنوان (كل منا ممتحن)، ورسالة للدكتور ناصر العمر بعنوان (امتحان القلوب).

<<  <  ج: ص:  >  >>