للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٦ - لا تَحَاسَدُوا

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا» ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» (رواه مسلم).

• لا تحاسدوا:

قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تَحَاسَدُوا» يعني: لا يحسُدْ بعضُكم بعضًا، والحسدُ مركوزٌ في طباع البشر، وهو أنَّ الإنسان يكرهُ أن يفوقَهُ أحدٌ منْ جنسهِ في شيءٍ من الفضائل.

ثم ينقسم الناس بعدَ هذا إلى أقسام:

فمنهم من يسعى في زوال نعمةِ المحسودِ بالبغي عليه بالقول والفعل.

ثمَّ منهم من يسعى في نقلِ ذلك إلى نفسه.

ومنهم من يَسعى في إزالته عن المحسودِ فقط من غيرِ نقل إلى نفسه، وهو شرُّهما وأخبثهما.

والحسدُ المذمومُ المنهيُّ عنه كان ذنبَ إبليس حيث حسدَ آدم - عليه السلام - لمَّا رآه قد فاق على الملائكة بأنْ خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكتَه، وعلَّمه أسماء كلِّ شيءٍ، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من الجنَّة حتَّى أخرج منها.

وقد وصف الله اليهودَ بالحسد في مواضع من كتابه القرآن، كقوله تعالى:

{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ} (البقرة:١٠٩)، وقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النساء:٥٤).

كلّ العداوةِ قد تُرجَى إماتَتُها إلا عداوةَ مَن عاداك مِن حسدِ

فإنّ في القلبِ منها عُقدةٌ عُقِدَتْ وليسَ يفتحُها راقٍ الى الأبدِ

إلا الإلهُ فإنْ يرحمْ تحلّ به وإن أباه فلا ترجُوه مِن أحدِ

وعن الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ». (حسن رواه الترمذي)؟.

(دَبَّ إِلَيْكُمْ) أَيْ سَرَى وَمَشَى بِخُفْيَةٍ (الْحَسَدُ) أَيْ فِي الْبَاطِنِ.

(وَالْبَغْضَاءُ) أَيْ الْعَدَاوَةُ فِي الظَّاهِرِ. (وَهِيَ) أَيْ الْبَغْضَاءُ، أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.

(لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ) أَيْ تَقْطَعُ ظَاهِرَ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ سَهْلٌ.

(وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) وَضَرَرُهُ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. أَيْ الْبَغْضَاءُ تَذْهَبُ بِالدِّينِ كَالْمُوسَى تَذْهَبُ بِالشَّعْرِ.

(وَلَا تُؤْمِنُوا) أَيْ إِيمَانًا كَامِلًا (حَتَّى تَحَابُّوا) أَيْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.

(أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ) مِنْ التَّثْبِيتِ (ذَلِكَ) أَيْ التَّحَابُبَ.

(أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) أَيْ أَعْلِنُوهُ وَعُمُّوا بِهِ مَنْ عَرَفْتُمُوهُ وَغَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يُزِيلُ الضَّغَائِنَ وَيُورِثُ التَّحَابُبَ.

أيا حاسدًا لي علَى نِعمَتِي أتَدْري علَى مَنْ أسَأتَ الأدَبْ

أسَأتَ علَى اللهِ في حُكمِهِ لأنّكَ لمْ تَرْضَ لي مَا وَهَبْ

وقسم آخر من الناسِ إذا حسدَ غيره، لم يعمل بمقتضى حسده، ولم يبغِ على المحسود بقولٍ ولا فعلٍ، وهذا على نوعين:

أحدهما: أنْ لا يمكنه إزالةُ الحسدِ من نفسِه، فيكون مغلوبًا على ذَلِكَ، فلا يأثمُ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>