للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: من يُحدِّثُ نفسَه بذلك اختيارًا، ويُعيده ويُبديه في نفسه مُستروِحًا إلى تمنِّي زوالِ نعمة أخيه، فهذا شبيهٌ بالعزم المصمِّم على المعصية، وفي العقاب على ذلك اختلافٌ بين العلماء، لكن هذا يَبعُدُ أن يَسلَمَ من البغي على المحسود، ولو بالقول، فيأثم بذلك.

وقسم آخر: إذا حسد لم يتمنَّ زوال نعمة المحسود، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنَّى أنْ يكونَ مثله، فإن كانتِ الفضائلُ دنيويَّةً، فلا خيرَ في ذلك، كما قال الَّذينَ يُريدُونَ الحياةَ الدُّنيا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} (القصص:٧٩)، وإنْ كانت فضائلَ دينيَّةً، فهو حسن، وقد تمنَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الشَّهادة في سبيل الله - عز وجل -.

وعن عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» (رواه البخاري ومسلم).وهذا هو الغبطة، وسماه حسدًا من باب الاستعارة.

وقسم آخر: إذا وجدَ من نفسه الحسدَ سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداءِ الإحسان إليه، والدُّعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وَجَدَ له في نفسه مِنَ الحسدِ حتّى يبدلَه بمحبَّة أنْ يكونَ أخوه المسلمُ خيرًا منه وأفضلَ، وهذا مِنْ أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمنُ الكاملُ الذي يُحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رواه البخاري ومسلم).

اصبِرْ علَى حَسَدِ الحسُودِ ... فإنّ صبرَك قاتِلُه

كالنارِ تأكلُ بعضَها إنْ لمْ تَجِدْ ما تأكُلُه

• لا تناجَشوا:

وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَلَا تَنَاجَشُوا»:فسَّره كثيرٌ من العلماء بالنَّجْشِ في البيع، وهو: أن يزيدَ في السِّلعة من لا يُريدُ شِراءها، إمَّا لنفع البائع بزيادةِ الثَّمن له، أو بإضرارِ المشتري بتكثير الثمن عليه، وفي «الصحيحين» عن ابنِ عمرَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّه نَهَى عَن النَّجَشِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>