وقال ابن أبي أوفى - رضي الله عنه -: «النَّاجش: آكِلُ رِبًا خَائِنٌ»(ذكره البخاري في صحيحه معلقًا).
قال ابنُ عبد البرِّ: أجمعوا أنَّ فاعلَه عاصٍ لله - عز وجل - إذا كان بالنَّهي عالمًا.
ويحتمل أن يُفسَّرَ التَّناجُشُ المنهيُ عنه في هذا الحديث بما هو أعمُّ من ذلك، فإنَّ أصلَ النَّجش في اللُّغة: إثارةُ الشَّيءِ بالمكرِ والحيلةِ والمخادعةِ، ومنه سُمِّي النَّاجِشُ في البيع ناجشًا، ويسمّى الصَّائدُ في اللغة ناجشًا؛ لأنَّه يُثير الصَّيد بحيلته عليه، وخِداعِه له، وحينئذٍ.
فيكونُ المعنى: لا تتخادَعوا، ولا يُعامِلْ بعضُكُم بعضًا بالمكرِ والاحتيال.
وإنَّما يُرادُ بالمكر والمخادعة إيصالُ الأذى إلى المسلم: إمَّا بطريقِ الأصالة، وإما اجتلاب نفعه بذلك، ويلزم منه وصولُ الضَّرر إليه، ودخولُه عليه.
وقد قال الله - عز وجل -: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}(فاطر:٤٣).وفي حديث ابن مسعودٍ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكرُ والخِدَاعُ فِي النَّارِ»(حسن رواه ابن حبان).
فيدخل على هذا التقدير في التناجش المنهي عنه جميعُ أنواع المعاملات بالغشِّ
ونحوه، كتدليس العيوب، وكِتمانها، وغشِّ المبيع الجيد بالرديء، وغَبْنِ المسترسل الذي لا يَعرِفُ المماكسة، وقد وصف الله تعالى في كتابه الكفَّار والمنافقين بالمكر بالأنبياء وأتباعهم، وما أحسنَ قول من قال:
وإنَّما يجوزُ المكرُ بمن يجوزُ إدخالُ الأذى عليه، وهم الكفَّارُ المحاربون، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الحَرْبُ خُدْعَةٌ»(رواه البخاري ومسلم).