للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب:

أولًا: لم أجد بعد بحثي القاصر مَن صحح هذه الرواية عن عمر سدد خطاكم، بل وجدت الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية قد ذكرها بصيغة التمريض التي توحي بضعف الرواية، فقال: «وهل تعطى المؤلفة على الإسلام بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فيه خلاف، فرُوِيَ عن عمر، وعامر الشعبي وجماعة: أنهم لا يُعطَون بعده؛ لأن الله قد أعز الإسلام وأهله، ومَكَّن لهم في البلاد، وأذل لهم رقاب العباد.

وقال آخرون: بل يُعطَون؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - قد أعطاهم بعد فتح مكة وكسر هَوازن، وهذا أمر قد يُحْتَاجُ إليه فيصرف إليهم.

ثانيًا: هل أبطل عمر سدد خطاكم شرع الله؟ أم إنه نظر في دواعي التطبيق، فوجد - باجتهاده - أن الداعي لتأليف القلوب لم يَعُدْ قائمًا بعد أن أعز الله - عز وجل - الإسلام، فلم يَعْدْ لهذا السهم باب للإنفاق فيه في تلك الحالة، وهي عزة الإسلام، ودخول الناس فيه طواعية أو خضوعًا للغالب المنتصر، وفي كلتا الحالتين لا يحتاج الأمر إلى تأليف القلوب، فالذي دخل طواعية مؤمن صادق قد استقر الإيمان في قلبه، والذي دخل خضوعًا للغالب المنتصر قد وجد السبب الذي يدعوه للإسلام فدخل فيه استجابة لذلك السبب، وهو كافٍ عنده للدخول فيه.

لو قال عمر سدد خطاكم: إن هناك من نحتاج إلى تأليف قلبه للإسلام، لأن الإسلام لم يتمكن في الأرض بعد، ولكني أرى مع ذلك ألا أنفق هذا السهم من الزكاة لتأليف القلوب. لو قال ذلك - وحاشا لعمر المؤمن التَقِيّ أن يقوله - لَوَقَعَتْ عندئذ المخالفة التي لا تُقْبَل من عمر ولا غير عمر، لأنها تكون عندئذ تغييرًا وتبديلًا في شرع الله.

أما قيام حالة لا يكون النص منطبقًا فيها، فلا يطبق النص لعدم انطباقه على الحالة القائمة، فتصرُفٌ أبعد ما يكون عن التغيير أو التبديل في شرع الله. ونأخذ مثالًا من حالة أخرى للتوضيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>