للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعنصر القسوة - إذًا - يمثل الركن الأساسي لمعنى العقوبة، فلو فُقدت القسوة فُقدت معها العقوبة بدون شك.

ولكن ما هي الدرجة التي يجب أن تقف عندها قسوة العقوبة على جريمة ما؟ إن الذي يحدد هذه الدرجة هو تصور مدى خطورة الجريمة التي استلزمتها؛ أي أن القسوة يجب أن تكون ملائمة للجريمة، فتزيد بزيادة خطورتها وشدة آثارها، وتنقص بنقص ذلك.

وهذه الحقيقة محل وفاق عند جميع المشتغلين بالتشريع والتقنين، مهما اختلفوا في تحليل فلسفة العقاب. وإن اختلاف القوانين العقابية الوضعية أكبر شاهد على ذلك.

فإذا كان في الناس من يصف العقوبات الشرعية بقسوة زائدة على مقتضى هذه القاعدة التي لا خلاف فيها؛ فسبب ذلك أنهم يخطئون في تقويم خطورة الجرائم التي رتبت عليها هذه العقوبات، دون أن يعتبروا في ذلك نظرة المشرِّع لها، وتقويمه لخطورتها.

والعجيب أن خصوم الشريعة الإسلامية يدركون هذه الحقيقة، ويفقهون هذا المعنى، عندما يكون البحث متعلقًا بقانون من القوانين الوضعية. فرُبَّ كلمة لا نرى بها بأسًا، يتفوه بها فرد من رعايا دولة تطبق قانونًا وضعيًا؛ تواجهه بسببها عقوبة الإعدام. ورُبَّ فاحشة عظمى يجب مكافحتها، تشيع بين رعايا تلك الدولة؛ فلا يُؤْبَهُ بها، ولا يلتفت إليها بأي نقد أو استنكار! وليس أيسر على خصوم الشريعة الإسلامية من أن يدافعوا عن كلا المذهبين؛ بأن كل أمة إنما تسن قوانينها حسب مبادئها وفلسفتها التي تنظر بها إلى الإنسان والكون والحياة.

أفيحق لكل أمة أن تسن ما تشاء من قوانين الردع والزجر، حسب نظرتها إلى الكون والإنسان والحياة - خطأ كانت النظرة أم صوابًا -، ثم لا يحق لخالق الكون والإنسان والحياة أن يشرع هو الآخر قوانين الردع والزجر بما يتفق مع مقاصد شريعته، ويتسق مع نظام كونه، ويحقق مصالح عباده؟!!

<<  <  ج: ص:  >  >>