للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُل الأَجْنَبِيِّ:

نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى أَيِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الرَّجُل الأَجْنَبِيِّ يَكُونُ حَرَامًا إِذَا قَصَدَتْ بِهِ التَّلَذُّذَ أَوْ عَلِمَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا وُقُوعُ الشَّهْوَةِ أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ احْتِمَال حُدُوثِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِ حُدُوثِهَا مُتَسَاوِيَيْنِ، لأَنَّ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ إِلَى مَنْ لاَ يَحِل بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ نَوْعُ زِنًا، وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الأَْجْنَبِيِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ يَقِينًا فالرَّاجِحُ أنَّه لَا يجُوز أيضًا أَنْ تَنْظُرَ إلى أَيَّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِه، وهو قول جمهور العلماء وأكثر الصحابة لِقَوْلِهِ تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور: ٣١)، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْآدَمِيِّينَ فَحُرِّمَ عَلَيْهِنَّ النَّظَرُ إلَى النَّوْعِ الْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى الرِّجَالِ وَيُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمَ لِلنَّظَرِ هُوَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ، وَهَذَا فِي الْمَرْأَةِ أَبْلَغُ فَإِنَّهَا أَشَدُّ شَهْوَةً وَأَقَلُّ عَقْلًا، فَتُسَارِعُ إلَيْهَا الْفِتْنَةُ أَكْثَرَ مِنْ الرَّجُلِ.

وَممَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أيْضًا حَدِيث نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَة عِنْد النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَدَخَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اِحْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقَالَتَا: «إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِر»، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ؟» (١).


(١) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: «هُوَ حَدِيث حَسَن»، وقال النووي: «وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدْح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة» [شرح صحيح مسلم (١٠/ ٧٧)]. وقد اختلف قول الحافظ ابن حجر فيه فقال في (الفتح ١/ ٥٥٠): «وَهُوَ حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ»، وقال في موضع آخر (٩/ ٣٣٧): «إِسْنَاده قَوِيّ، وَأَكْثَر مَا عَلَّلَ بِهِ اِنْفِرَاد الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَان وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَة، فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَب أُمّ سَلَمَة وَلَمْ يُجَرِّحهُ أَحَد لَا تُرَدّ رِوَايَته». وقال في (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: «لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ سِوَى نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ شَيْخِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ وُثِّقَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا احْتَجَبَتْ مِنْ أَعْمَى، فَقِيلَ لَهَا: إنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْك، قَالَتْ: لَكِنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ» اهـ. وقال العينى: وهو حديث صحَّحه الأئمة بإسناد قوى. ومِمَّن صحَّحه: التركمانى في الجوهر النقى, والشوكانى في نيل الأوطار. ... =
= وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد: «إسناده صالح». والحديث قد ضعفه الألباني، والأرنؤوط، ومصطفى العدوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>