وثانيهما: أن يكن غير متبرجات بزينة من حلي وكحل وأصباغ وتجمل بثياب ظاهرة، إلى غير ذلك من الزينة التي يفتن بها.
فلتحذر المؤمنة التعسف في استعمال هذه الرخصة، بأن تدعي بأنها من القواعد، وليست كذلك، أو تبرز متزينة بأيٍّ من أنواع الزينة.
ثم قال ربُنَا جل وعلا:{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ}، وهذا تحريض للقواعد على الاستعفاف وأنه خير لهن وأفضل، وإن لم يحصل تبرج منهن بزينة.
فدلَّت هذه الآية على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لوجوههن وسائر أبدانهن وزينتهن؛ لأن هذه الرخصة للقواعد، اللاتي رُفع الإثم والجناح عنهن، إذ التهمة في حقهن مرتفعة، وقد بلغن هذا المبلغ من السن والإياس، والرخصة لا تكون إلا من عزيمة، والعزيمة فرض الحجاب في الآيات السابقة.
وبدلالة أن استعفاف القواعد خير لهن من الترخص بوضع الثياب عن الوجه والكفين، فوجب ذلك في حق من لم تبلغ سن القواعد من نساء المؤمنين، وهو أولى في حقهن، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة والوقوع في الفاحشة، وإن فعلن فالإثم والحرج والجناح.
ولذا فإن هذه الآية من أقوى الأدلة على فرض الحجاب للوجه والكفين وسائر البدن، والزينة بالجلباب والخمار.
ومن أقوى الأدلة كذلك قوله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}(الأحزاب: ٥٩)، والقائلون بكشف وجه المرأة متفقون على أن الواجب على نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يستُرْن وجوههن للأدلة الكثيرة على هذا، ولكنهم يرونه خاصًا بهن! فكيف يكون ذلك والخطاب في هذه الآية للجميع؟! ولماذا أدخلهن الله في هذه الآية وهي - حسب زعمهم - لا تدل على وجوب ستر الوجه؟؟!! أليس هذا من التناقض الذي ينزه عنه كتاب الله؟!