وإذا كان استراق النظر خيانة كما في قول الله تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(غافر: ١٩)؛ فكيف تكون المخالطة؟
وإذا نهى الشارع عن النظر إلى النساء بسبب ما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه، وواقع الناس اليوم يبين أن الاختلاط يفضي لزامًا لوقوع البصر فيما أمر الله بحفظه عنه.
الدليل الثالث:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ:«يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟»، قَالَ:«الْحَمْوُ الْمَوْتُ»(رواه البخاري ومسلم).
وجه الاستدلال: أنه حذّر من الدخول على النساء باسم فعل الأمر (إيَّاك)، والمعنى احفظوا أنفسكم واتقوا الدخول على النساء، فهو أمرٌ باتِّقَاء الدخول على النساء والأمر يفيد الوجوب، ونهي عن الدخول عليهن؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، والنهي يفيد التحريم.
وسمى - صلى الله عليه وآله وسلم - دخول قريب الرجل على امرأته وهو غير مَحْرَم لها باسم الموت، ولا شك أن تلك العبارة هي أبلغ عبارات التحذير، وهذا دليل صحيح نبوي على أن قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}(الأحزاب: ٥٣) عام في جميع النساء؛ إذ لو كان حكمه خاصًا بأزواجه - صلى الله عليه وآله وسلم - لَمَا حذر الرجالَ هذا التحذير البالغ العام من الدخول على النساء.
وظاهر الحديث التحذير من الدخول عليهن ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدخول عليهن والخلوة بهن كلاهما محرم تحريمًا شديدًا بانفراده.