فعند ذلك خاف ملكُ الروم وانْكَفّ، وبعث يطلب الهدنة.
ثم كان من أمر التحكيم ما كان، وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فانعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين للهجرة، فلم يزل مستقلًا بالأمر في هذه المدة إلى السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم تَرِدُ إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو.
وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين، مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ويأمر رجلًا من قومه فيحج بالناس، وحج هو سنة خمسين، وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين. وفيها - أو في التي بعدها - غزا ابنُه يزيد بلاد الروم فسار معه خلق كثير من كبراء الصحابة حتى حاصر القسطنطينية، وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِى يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ». (رواه البخاري).
وكان معاوية سدد خطاكم من الموصوفين بالدهاء والحِلم. وكان يُضرَب بحِلمه المثل. وكان معاوية سدد خطاكم أول من اتخذ ديوان الخاتم وختم الكتب، وديوان الخاتم شبيه بدائرة السجلات أو الأرشيف العام في الوقت الحاضر. وقد عين معاوية موظفين مشرفين على هذا الديوان.
توفي معاوية - رضي الله عنه - بدمشق في رجب سنة ستين. أغمي عليه ثم أفاق فقال لأهله: «اتقوا الله؛ فإن الله تعالى يَقِي مَن اتقاه، ولا يَقِي مَن لا يتقي، ثم مات - رحمه الله -.
وقد وَرَدَ من غير وجه أنه أوصى أن يكفن في ثوب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي كساه إياه، وكان مُدَّخَرًا عنده لهذا اليوم.
ومن أشهر أولاده يزيد.
وعاش معاوية ثمانية وسبعين عامًا، وقيل غيرُ ذلك، - رضي الله عنه -.