للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية: فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ، فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ». (رواه البخاري ومسلم).

هذا الحديث فِيهِ مُعْجِزَات لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْهَا إِخْبَاره بِبَقَاءِ أُمَّته بَعْده، وَأَنَّهُ تَكُون لَهُمْ شَوْكَة وَقُوَّة وَعَدَد، وَأَنَّهُمْ يَغْزُونَ وَأَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ الْبَحْر، وَأَنَّ أُمّ حَرَام تَعِيش إِلَى ذَلِكَ الزَّمَان، وَأَنَّهَا تَكُون مَعَهُمْ، وَقَدْ وُجِدَ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى كُلّ ذَلِكَ.

وَفِيهِ: فَضِيلَة لِتِلْكَ الْجُيُوش، وَأَنَّهُمْ غُزَاة فِي سَبِيل اللهِ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء مَتَى جَرَتْ الْغَزْوَة الَّتِي تُوُفِّيَتْ فِيهَا أُمّ حَرَام فِي الْبَحْر؟ وَقَدْ ذكرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فِي مُسْلِم أَنَّهَا رَكِبَتْ الْبَحْر فِي زَمَان مُعَاوِيَة، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتهَا فَهَلَكَتْ، قَالَ أَكْثَر أَهْل السِّيَر وَالْأَخْبَار: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَة عُثْمَان بْن عَفَّان - رضي الله عنه - وَأَنَّ فِيهَا رَكِبَتْ أُمّ حَرَام وَزَوْجهَا إِلَى قُبْرُص فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتهَا هُنَاكَ، فَتُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ، وَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله: (فِي زَمَان مُعَاوِيَة) مَعْنَاهُ: فِي زَمَان غَزْوِهِ فِي الْبَحْر لَا فِي أَيَّام خِلَافَته، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَته، وَهُوَ أَظْهَر فِي دَلَالَة قَوْله فِي زَمَانه.

(مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّة) أَرَادَ - وَاَللهُ أَعْلَم - أَنَّهُ رَأَى الْغُزَاة فِي الْبَحْر مِنْ أُمَّته مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّة فِي الْجَنَّة، وَرُؤْيَاهُ وَحْي، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي صِفَة أَهْل الْجَنَّة: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} (الصافات:٤٤) وَقَالَ: {عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} (يسن:٥٦) وَالْأَرَائِك السُّرَر فِي الْحِجَال. والحَجَلة مثل القُبَّة، وحَجَلة العروس هي بيت يُزَيَّن بالثياب والأَسِرَّة والستور لَهَا عُرًى وَأَزْرَار.

فإذا تبيَّن هذا الفضلُ العظيم، كان معاوية سدد خطاكم مِن أولى الناس به، إذ أنه أميرُ تلك الغزاة بالاتفاق، وقد قال ابنُ عبد البر عن هذا الحديث في التمهيد (١/ ٢٣٥): «وفيه فضلٌ لمعاوية - رحمه الله -، إذ جَعَلَ مَن غَزا تحتَ رايَتِه مِن الأوَّلين».

<<  <  ج: ص:  >  >>