للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقلوب تتفاوت في الهم والغمّ كثرة واستمرارًا بحسب ما فيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان فهي على قلبين: قلب هو عرش الرحمن، ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو عرش الشيطان فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهمّ.

والناس يتفاوتون في الهموم بتفاوت بواعثهم وأحوالهم وما يحمله كل واحد منهم من المسئوليات: فمن الهموم هموم سامية، ذات دلالات طيبة، كهموم العالم في حلّ المعضلات التي يحتاج المسلمون فيها إلى جواب وخصوصًا إذا استعصت المسألة واستغلقت، وكذلك همّ إمام المسلمين بمشكلات رعِيَّتِه.

ومن الهموم الشريفة همّ الداعية في نشر الدين وحَمْل الرسالة والأخذ بيد المدعو إلى طريق الهداية، وهموم العابد في تصحيح عبادته في القصد والأداء، وهَمّ المسلم بما يصيب إخوانه في أقطار الأرض.

ومن الهموم ما يكون ناشئًا عن المعاصي، كالهموم التي تصيب المذنب بعد ذنبه كما يحدث في هم من أصاب دمًا حرامًا، أو هم الزانية بحملها.

ومن الغموم ما يكون بسبب ظلم الآخرين كظلم الأقرباء كما قال الشاعر:

وظلمُ ذَوِي القُربَى أشَدُّ مَضَاضَةً علَى ... النفْسِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ

(المَضَاضةً: التألّم من وجع المصيبة. حُسام: سيف قاطع. حُسام السَّيْف: طرفُه الذي يُضرب به. هنَّد السَّيفَ: شحَذه، فهو مُهنِّد).

وكذلك الغموم الحاصلة بسبب مصائب الدنيا، كالأمراض المزمنة والخطيرة، وعقوق الأبناء، وتسلط الزوجة، واعوجاج الزوج.

ومن الهموم ما يكون بسبب الخوف من المستقبل كهموم الأب بذريته من بعده وخاصة إذا كانوا ضعفاء وليس لديه ما يخلفه لهم. وهكذا تتنوع الغموم والهموم.

<<  <  ج: ص:  >  >>