للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: «اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا»، قَالَ: «لَا، وَاللهِ لا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ». قَالَ: فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ، فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَرَفَعَ الثُّلُثَ فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ. (رواه البخاري).

(يَوْمَ الْجَمَلِ) الْوَقْعَةَ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ سدد خطاكم وَمَنْ مَعَهُ وَبَيْنَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - وَمَنْ مَعَهَا، وَمِنْ جُمْلَتِهِمُ الزُّبَيْرُ، وَنُسِبَتِ الْوَقْعَةُ إِلَى الْجَمَلِ لِأَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ سدد خطاكم كَانَ مَعَهُمْ فَأَرْكَبَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَلَى جَمَلٍ عَظِيمٍ فَوَقَفَتْ بِهِ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يَزَلِ الَّذِينَ مَعَهَا يُقَاتِلُونَ حَوْلَ الْجَمَلِ حَتَّى عُقِرَ الْجَمَلُ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمُ الْهَزِيمَةُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى أَوِ الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ.

(لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ) مَعْنَاهُ ظَالِمٌ عِنْدَ خَصْمِهِ، مَظْلُومٌ عِنْدَ نَفْسِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ كَانَ يَتَأَوَّلُ أَنّه عَلَى الصَّوَاب، وَقيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ إِمَّا صَحَابِيٌّ مُتَأَوِّلٌ فَهُوَ مَظْلُومٌ وَإِمَّا غَيْرُ صَحَابِيٍّ قَاتَلَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَهُوَ ظَالِمٌ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَأَنَّ الزُّبَيْرَ إِنَّمَا قَالَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَالْمَعْنَى لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللهَ يُعَجِّلُ لِلظَّالِمِ مِنْهُمُ الْعُقُوبَةَ أَوْ لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا مَظْلُومٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللهَ يُعَجِّلُ لَهُ الشَّهَادَةَ، وَظَنَّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَنَّهُ يُقْتَلُ مَظْلُومًا إِمَّا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَانَ مُصِيبًا، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا سَمِعَ عَلِيٌّ سدد خطاكم وَهُوَ قَوْلُهُ لَمَّا جَاءَهُ قَاتِلُ الزُّبَيْرِ؛ فعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: «بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ»، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ».

(رواه الإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وصححه، وصححه الذهبي وابن حجر، وقال الأرنؤوط: «إسناده حسن»).

<<  <  ج: ص:  >  >>