للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نماذج لمن ترك لله فأبدله الله خيرًا منه:

قد جرت سنة الله - عز وجل - في خلقه أن من آثَرَ الألم العاجل على الوصال الحرام أعقبه ذلك في الدنيا المسرّة التامة، وإن هلك فالفوز العظيم، والله - سبحانه وتعالى - لا يضيع ما تحمّل عبدُه لأجله. وكل مَن خرج عن شيء مِنه لله حفظه الله عليه أو أعاضه الله ما هو أجَلّ منه.

١ - ترك يوسف الصديق - عليه السلام - امرأة العزيز لله واختار السجن على الفاحشة فكانت النتيجة أنْ عوّضه الله بأنْ مكّنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء:

هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف - عليه السلام - مِن محنة إخوته، وصَبْرُه عليها أعظمُ أجرًا، لأنه صبْرُ اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل، فقدَّم محبة الله عليها، وذلك أن يوسف - عليه السلام - بَقِيَ مُكْرَمًا في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أنْ {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} أي: هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.

وزادت المصيبة، بأن {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} وصار المحل خالِيًا، وهما آمنان من دُخُول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} ... أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثلُه ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسيرٌ تحت يدها، وهي سيدَتُه، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عَزَبٌ، وقد توعَّدَتْه، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم.

فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حَرَّم الله - ما أوجب له البُعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>