للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: «تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ»، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: «تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ»، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ» (رواه النسائي، وصححه الألباني).

(قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ) جَمْعُ طَرِيقٍ، كَرَغِيفٍ وَأَرْغِفَةٍ.

(كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ) الطِّوَلِ: الْحَبْلُ الطَّوِيلُ يُشَدُّ أَحَدُ طَرَفَيْهِ فِي وَتَدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ فِي يَدِ الْفَرَسِ لِيَدُورَ فِيهِ ويرعى وَلَا يذهب لوجهه.

وَهَذَا من كَلَام الشَّيْطَان ومقصوده أَن المُهَاجر يصير كالمقيد فِي بِلَاد الغربة لَا يَدُور الا فِي بَيته وَلَا يخالِطُه إلا بعضُ معارفه فَهُوَ كالفرس فِي طَوْل لَا يَدُور وَلَا يرْعَى الا بِقَدرِهِ، بِخِلَاف أهل الْبِلَاد فِي بِلَادهمْ فَإِنَّهُم مبسوطون لَا ضيق عَلَيْهِم فأحدهم كالفرس الْمُرْسل.

(فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ) بِمَعْنى الْمَشَقَّة والتعب (وَالْمَالِ) الْمرَاد بِالْمَالِ الْجِمال وَالْعَبِيد وَنَحْوهمَا أَو المَال مُطلقًا.

وقَالَ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ» (رواه مسلم).

وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: “ إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» (رواه مسلم). (زَوَىَ) جمع.

١٠ - ترك عقد اللؤلؤ في الحرام فناله بالحلال:

في ذيل طبقات الحنابلة نقل الحافظ ابن رجب الحنبلي هذه القصة في ترجمة القاضي أبي بكر الأنصاري البزاز عنه أنه قال: «كنتُ مجاورًا بمكة - حرسها الله تعالى -

<<  <  ج: ص:  >  >>