للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَالَ: وَأَيْضًا) أَيْ وَزِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ) مِنَ الْمَلَالِ. (ارْهَنُونِي) أَيِ ادْفَعُوا لِي شَيْئًا يَكُونُ رَهْنًا عَلَى التَّمْرِ الَّذِي تُرِيدُونَهُ. (وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ) لَعَلَّهُمْ قَالُوا لَهُ ذَلِكَ تَهَكُّمًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ كَانَ جَمِيلًا.

(وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ) قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي السِّلَاحَ كَذَا قَالَ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: اللَّأْمَةُ الدِّرْعُ، فَعَلَى هَذَا إِطْلَاقُ السِّلَاحِ عَلَيْهَا مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ. وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِئَلَّا يُنْكِرَ مَجِيئَهُمْ إِلَيْهِ بِالسِّلَاحِ. (وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ) يَعْنِي كَانَ أَبُو نَائِلَةَ أَخَا كَعْبٍ بن الأشرف. (فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعْرِهِ فَأَشُمُّهُ) وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ. (وَقَالَ مَرَّةً: فَأُشِمُّكُمْ) أَيْ أُمَكِّنُكُمْ مِنَ الشَّمِّ.

وفي الحديث جواز الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَفِيهِ جَوَازُ قَتْلِ الْمُشْرِكِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَةُ الْعَامَّةُ قَدْ بَلَغَتْهُ، وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْحَرْبِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ قَائِلُهُ إِلَى حَقِيقَتِهِ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى قُوَّةِ فِطْنَةِ امْرَأَته الْمَذْكُورَة وَصِحَّة حَدِيثهَا وَبَلَاغَتِهَا فِي إِطْلَاقِهَا أَنَّ الصَّوْتَ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّم.

٣ - عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ سدد خطاكم قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِأَصْحَابِهِ: «اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ».

فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ: «يَا عَبْدَ اللهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ، فَادْخُلْ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ». فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ثُمَّ عَلَّقَ الْأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ.

فَقُمْتُ إِلَى الْأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>