فإنه فَرَّقَ في تلك العبارة بين مَن يعمل المولد ولا يتركه إلا إلى شر منه، وبين المؤمن المسدّد الذي ليس كذلك، فذكر أن الذي يعمل المولد ولا يتركه إلا إلى شر منه لا يُدعَى إلى تركه؛ لما يترتب على ذلك من ارتكاب ما هو شر منه، وأن المؤمن المسدّد يُسْتَقْبَح منه الاحتفال بالمولد ويجب عليه الحرص على التمسك بالسنة ظاهرًا وباطنًا في خاصته وخاصة من يطيعه.
٧ - ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ما في المواسم المبتدعة - من موالد وغيرها - من مفاسد راجحة على ما فيها من المنفعة، فقال:
«منها - مع ما تقدم من المفسدة الاعتقادية والحالية - أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن، حتى تجد كثيرًا من العامة يحافظ عليها ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس.
ومنها: أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض والسنن وتفتر رغبتهم فيها، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب ويفعل فيها ما لا يفعل في الفرائض والسنن، حتى كأنه يفعل هذه البدعة عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة، وهذا عكس الدين، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة، والرقة والطهارة والخشوع، وإجابة الدعوة، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك من الفوائد، وإن لم يفته هذا كله فلا بد أن يفوته كماله.
ومنها: ما في ذلك من مصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وما يترتب على ذلك من جهالة أكثر الناس بدين المرسلين، وانتشار زرع الجاهلية.
ومنها: مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع وفوات سلوك الصراط المستقيم، وذلك أن النفس فيها نوع من الكبر فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسابوري - رحمه الله -: «ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه»، ثم هذا مظنة لغيره فينسلخ القلب عن حقيقة الاتباع للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه أو يكاد، وهم يحسبون أنهم