فضل التواضع وذم الكبر:
قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَـ?قِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص:٨٣).قال عكرمة: العلو: التجبر. وقال سعيد بن جبير: بغير حق: وقال ابن جريج: «لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الأرْضِ» تعظمًا وتجبرًا.
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» (رواه مسلم).
قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَة مِنْ مَال» ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَك فِيهِ، وَيَدْفَع عَنْهُ الْمَضَرَّات، فَيَنْجَبِر نَقْص الصُّورَة بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّة، وَهَذَا مُدْرَك بِالْحِسِّ وَالْعَادَة.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَته كَانَ فِي الثَّوَاب الْمُرَتَّب عَلَيْهِ جَبْر لِنَقْصِهِ، وَزِيَادَة إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة.
قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا» فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ:
أَحَدهمَا: أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْح سَادَ وَعَظُمَ فِي الْقُلُوب، وَزَادَ عِزّه وَإِكْرَامه.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَاد أَجْره فِي الْآخِرَة وَعِزّه هُنَاكَ.
قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَد للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ: أَحَدهمَا: يَرْفَعهُ فِي الدُّنْيَا، وَيُثْبِتُ لَهُ بِتَوَاضُعِهِ فِي الْقُلُوب مَنْزِلَة، وَيَرْفَعهُ اللهُ عِنْد النَّاس، وَيُجِلّ مَكَانه.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَاد ثَوَابه فِي الْآخِرَة، وَرَفْعه فِيهَا بِتَوَاضُعِهِ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَهَذِهِ الْأَوْجُه فِي الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة مَوْجُودَة فِي الْعَادَة مَعْرُوفَة، وَقَدْ يَكُون الْمُرَاد الْوَجْهَيْنِ مَعًا فِي جَمِيعهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
تواضَعْ لربِّ العرشِ عَلّكَ تُرفَعُ ... فما خَابَ عَبْدٌ للمهيمنِ يخضَعُ
وداوِ بذِكْرِ اللهِ قلبَك إنَّهُ ... لَأَشْفَى دَواءٍ للقلوبِ وأنفعُ
إن المتواضع يرفع الله - عز وجل - منزلته ومكانه وقدره فطوبى للمتواضعين.