للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧ - العز في القناعة، والذل في الطمع: ذلك أن القانع لا يحتاج إلى الناس فلا يزال عزيزًا بينهم، والطماع يذل نفسه من أجل المزيد؛ ولذا قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وّأحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتََ فَإِنّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَاعْلَمْ أنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَيْلِ وَعِزّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النّاسِِ». (حسن رواه الحاكم وغيره)

وكان محمد بن واسع - رحمه الله - يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول: «من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد».

وقال الحسن - رحمه الله -: «لا تزال كريمًا على الناس، ولا يزال الناس يكرمونك ما لم تَعَاطَ ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك».

فمن سأل الناس ما بأيدهم كرهوه وأبغضوه؛ لأن المال محبوب لنفوس بني آم، فمن طلب منهم ما يحبونه كرهوه لذلك.

والإمامة في الدين، والسيادة والرفعة لا يحصلها المرء إلا إذا استغنى عن الناس، واحتاج الناس إليه في العلم والفتوى والوعظ.

قال أعرابي لأهل البصرة: «من سيد أهل هذه القرية؟».قالوا: «الحسن»، قال: «بِمَ سادهم؟» قالوا: «احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم».

٨ - القناعة والرضا بعطاء الله سبب للبركة: يقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ» (رواه الإمام أحمد وصححه الألباني).

• أسباب تحول دون القناعة:

١ - منازعة الشهوات التي لا تنال إلا بزيادة المال وكثرة المادة، فإذا نازعته الشهوة طلب من المال ما يوصله إليها، وليس للشهوات حد مُتَنَاهٍ، فيصير ذلك ذريعة إلى أن ما يطلبه من الزيادة غير متناه، ومن لم يتَناهَ طلبه، استدام كدّه وتعبه، فلم يفِ التذاذه بنيل شهواته بما يعانيه من استدامة كده وأتعابه، مع ما قد لزمه من ذم الانقياد لمغالبة

<<  <  ج: ص:  >  >>