للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَهَلْ تَلِد الْإِبِلَ): بِالنَّصْبِ مَفْعُول مُقَدَّم، (إِلَّا النُّوقُ): بِضَمِّ النُّون جَمْع نَاقَة وَهِيَ أُنْثَى الْإِبِل. وَقَوْله (إِلَّا النُّوقُ) بِالرَّفْعِ فَاعِل مُؤَخَّر؛ فَالْإِبِل وَلَوْ كِبَارًا أَوْلَاد النَّاقَة فَيَصْدُق وَلَد النَّاقَة بِالْكَبِيرِ وَالصَّغِير.

وَالْمَعْنَى إِنَّك لَوْ تَدَبَّرْت لَمْ تَقُلْ ذَلِكَ، فَفِيهِ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَ قَوْلًا أَنْ يَتَأَمَّلهُ وَلَا يُبَادِر إِلَى رَدّه.

وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له: «يَا ذَا الأذُنَيْنِ» يمازحه. (صحيح رواه الترمذي).وهَذَا الْقَوْلَ مِنْ جُمْلَةِ مُدَاعَبَاتِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَلَطِيفِ أَخْلَاقِهِ.

ولا شك أن التبسط لطرد السأم والملل، وتطيب المجالس بالمزاح الخفيف فيه خير كثير فإن مَنْ اسْتَعَانَ بِالْمُبَاحِ الْجَمِيلِ عَلَى الْحَقِّ فَهَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟»، قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْر» (رواه مسلم).

البُضْع: الْجِمَاع، وَيُطْلَق عَلَى الْفَرْج نَفْسه وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات، فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ، أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ، أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام، أَوْ الْفِكْر فِيهِ، أَوْ الْهَمّ بِهِ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ لَهُ: «إنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إلَّا ازْدَدْت بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى اللُّقْمَةُ تَضَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِك». وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. فَالْمُؤْمِنُ إذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَتَتْ عَلَى عَامَّةِ أَفْعَالِهِ وَكَانَتْ الْمُبَاحَاتُ مِنْ صَالِحِ أَعْمَالِهِ لِصَلَاحِ قَلْبِهِ وَنِيَّتِهِ».

<<  <  ج: ص:  >  >>