وقال سعد بن أبي وقاص: «اقتصر في مزاحك، فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجَرّىء عليك السفهاء».
فإياكَ إياكَ، المزاحَ فإنّه يُجَرِّىءُ ... عليكَ الطفلَ والدنِسَ النَذْلَا
ويُذْهِبُ ماءَ الوجهِ بعدَ بهاءِه ... ويورثُه مِن بعدِ عزتِه ذلا
٨ - ألا يكون فيه غيبة:
وهذا مرض خبيث، ويزين لدى البعض إنه يحكى ويقال بطريقة المزاح، وإلا فهو داخل في حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ذِكْرُكَ أخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» (رواه مسلم)
٩ - اختيار الأوقات المناسبة للمزاح:
كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة صادقة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها.
قال رجل لسفيان بن عيينة - رحمه الله -: «المزاح هُجْنَة ـ أي مستنكر ـ» فأجابه قائلًا: «بل هو سنة، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه».
والأمة اليوم وإن كانت بحاجة إلى زيادة المحبة بين أفرادها وطرد السأم من حياتها، إلا أنها أغرقت في جانب الترويح والضحك والمزاح فأصبح دَيْدَنَها وشغل مجالسها وسمرها، فتضيع الأوقات، وتفنى الأعمار، وتمتلىء الصحف بالهزل واللعب.
قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» (رواه البخاري).
والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة «وعلى المسلم والمسلمة أن ينزع إلى اختيار الرفقة الصالحة الجادة في حياتها ممن يعينون على قطع ساعات الدنيا والسير فيها إلى الله - عز وجل - بجد وثبات، ممن يتأسون بالأخيار والصالحين، قال بلال بن سعد: «أدركتهم يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهبانا».
وسُئِلَ ابن عمر - رضي الله عنهما -: «هل كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يضحكون؟
قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال».
فعليك بأمثال هؤلاء، فرسان النهار، رهبان الليل.
يا أُمتي وجب الكفاحْ فدعي التشدق والصياحْ
ودعي التقاعُس ليس يُنْصَرُ من تقاعسَ واستراحْ
ما عادَ يُجدينا البكاءُ على الطُلُولِ ولا النُّواحْ
يا قومْ .. إن الأمرَ جِدٌّ قد مضَى زمنُ المِزاحْ
سقط القِناعُ عن الوجوهِ ... وفِعلُهم بالسرِّ باحْ
عادَ الصليبيّونَ ثانيةً ... وجالوا في البِطاحْ
عادوا وما في الشرقِ (نور ... الدين) يحكُمُ أو (صلاحْ)
عاثوا فسادًا في الديار كأنها كلْاٌ مُباحْ
لم يخجَلوا من ذبحِ شيخٍ ... لو مشى في الريح طاحْ
أو صِبْيَةٍ كالزهرِ لم ... يَنْبٌتْ لهم ريشُ الجناحْ
ذبحوا الصبيَّ وأمَّهُ وفتاتها ذاتَ الوشاحْ
عبثوا بأجسادِ الضحايا ... في انتِشاءٍ وانشِراحْ
لم يَشْفِ حِقدَهُمُ دمٌ ... سفحوه في صَلَفٍ وقاحْ
فغدَوْا على الأعراضِ لم ... يَخْشَوا قِصاصًا أو جُناحْ
لم يعبأوا بقرار أمنٍ داَنهم أو باقْتراحْ
يا أمة الإسلامِ هُبُّوا ... واعملوا، فالوقتُ راحْ
الكفرُ جَمَّعَ شَمْلَهُ ... فلِمَ النِّزاعُ والانتطاحْ
فتجمَّعوا وتجهَّزوا ... بالمُستطاعِ وبالمُتاحْ
يا ألفَ مِليونٍ وأينَ هُمو إذا دعت الجِراحْ