للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَالَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -:لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ»، فَقِيلَ لَهُ: «إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ»، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ».

فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَنْ مَكَانَكَ»، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ.

قِيلَ لِلْأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ: نَعَمْ» (رواه البخاري ومسلم).

(أَسِيفٌ):رَقِيق الْقَلْب.

(إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ):الْمُرَاد أَنَّهُنَّ مِثْلُ صَوَاحِب يُوسُف فِي إِظْهَار خِلَاف مَا فِي الْبَاطِن. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخَطَّاب وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجَمْع فَالْمُرَاد بِهِ وَاحِد وَهِيَ عَائِشَة فَقَطْ، كَمَا أَنَّ (صَوَاحِب) صِيغَة جَمْع وَالْمُرَاد زُلَيْخَا ـ امرأة العزيز ـ فَقَطْ.

وَوَجْه الْمُشَابَهَة بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ زُلَيْخَا اِسْتَدْعَتْ النِّسْوَة وَأَظْهَرَتْ لَهُنَّ الْإِكْرَام بِالضِّيَافَةِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى حُسْن يُوسُف وَيَعْذُرْنَهَا فِي مَحَبَّته، وَأَنَّ عَائِشَة أَظْهَرَتْ أَنَّ سَبَب إِرَادَتهَا صَرْف الْإِمَامَة عَنْ أَبِيهَا كَوْنه لَا يُسْمِعُ الْمَأْمُومِينَ الْقِرَاءَة لِبُكَائِهِ، وَمُرَادهَا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ ما صَرَّحَتْ هِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ: «لَقَدْ رَاجَعْته وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَة مُرَاجَعَته إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَع فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاس بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا».

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمْ يَخْرُجْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثَلَاثًا، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ.

فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - حِينَ وَضَحَ لَنَا فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَأَرْخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْحِجَابَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ» (رواه البخاري ومسلم).

(فَقَالَ نَبِيُّ اللهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِالْحِجَابِ) هُوَ مِنْ إِجْرَاءِ قَالَ مَجْرَى فَعَلَ.

وقالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «إن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَنْهُ» (رواه البخاري ومسلم).

• شدة وجعه - صلى الله عليه وآله وسلم -:

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -» (رواه البخاري ومسلم).

وعَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: «إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا»، قَالَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ»، قُلْتُ: «ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟» قَالَ: «أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا» (رواه البخاري ومسلم).

وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ - عليها السلام -: «وَاكَرْبَ أَبَاهُ»، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» (رواه البخاري).

• مدة مرضه - صلى الله عليه وآله وسلم -:

قال ابن حجر - رحمه الله - في (فتح الباري): «وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّة مَرَضه، فَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَة عَشَر يَوْمًا، وَقِيلَ بِزِيَادَةِ يَوْم وَقِيلَ بِنَقْصِهِ ... وَقِيلَ عَشَرَة أَيَّام وَبِهِ جَزَمَ سُلَيْمَان التَّيْمِيُّ فِي (مَغَازِيه) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح».

• اليوم الأخير من حياته - صلى الله عليه وآله وسلم -:

عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ - رضي الله عنه - ـ وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ ـ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>