للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا»، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: «أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ»، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ».

وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}.

وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}.

قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ.

قَالَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: «فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمْ اللهُ بِذَلِكَ ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى وَعَرَّفَهُمْ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... إِلَى الشَّاكِرِينَ}. (رواه البخاري).

وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ - رضي الله عنها -: وَاكَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ»، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: «يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ»، فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ - رضي الله عنها -: «يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - التُّرَابَ» (رواه البخاري).

أَشَارَتْ - رضي الله عنها - بِذَلِكَ إِلَى عِتَابهمْ عَلَى إِقْدَامهمْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلّ عَلَى خِلَاف مَا عَرَفَتْهُ مِنْهُمْ مِنْ رِقَّة قُلُوبهمْ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ مَحَبَّتهمْ لَهُ، وَسَكَتَ أَنَس عَنْ جَوَابهَا رِعَايَة لَهَا وَلِسَان حَاله يَقُول: لَمْ تَطِبْ أَنْفُسنَا بِذَلِكَ، إِلَّا أَنَّا قَهَرْنَاهَا عَلَى فِعْله اِمْتِثَالًا لِأَمْرِهِ.

قَالَ الْمُثَنَّي سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: «قَلّ لَيْلَةٌ تَأْتِي عَلَيَّ إِلَّا وَأَنَا أَرَى فِيهَا خَلِيلِي - صلى الله عليه وآله وسلم -»، وَأَنَسٌ يَقُولُ ذَلِكَ وَتَدْمَعُ عَيْنَاهُ. (رواه أحمد وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري , رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي سعيد فمن رجال البخاري).

<<  <  ج: ص:  >  >>