للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها، دون الشرك به في شيء من العبادة. فإن الله بريء منه، وليس لله فيه شيء، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، وهو مفسد للقلوب والأرواح والدنيا والآخرة، مُشْقٍ للنفوس غاية الشقاء،

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: أنَا أغْنَى الشُرَكَاءِ عَنِ الشِركِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْري تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ» (رواه مسلم).

وَمَعْنَاهُ: أَنَا غَنِيّ عَنْ الْمُشَارَكَة وَغَيْرهَا، فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي لَمْ أَقْبَلهُ، بَلْ أَتْرُكهُ لِذَلِكَ الْغَيْر. وَالْمُرَاد أَنَّ عَمَل الْمُرَائِي بَاطِل لَا ثَوَاب فِيهِ، وَيَأْثَم بِهِ.

قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: «ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافِيَك الله منهما» (١).

وإن تمام الاستقامة بشهادة أن لا إلَه إلاّ الله أن لا ينوي حينما يفعل إحسانا الاّ أن ذلك لله وحده، ولا يترك فعلا إلا لله، ولا يتأثر بفعل ما سواء حضر الناس أم غابوا.


(١) جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) إجابة السؤال الأول من الفتوى رقم (٣٤١٩): «أما قوله: «إن العمل من أجل الناس شرك» فهو صحيح؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وتحريم الرياء، وقد سماه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: الشرك الأصغر، وذكر أنه أخوف ما يخاف على أمته - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وأما قوله: «إن ترك العمل من أجل الناس رياء» فليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل، والمعول في ذلك على النية؛ لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّمَا الْأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلّ امْرِئٍ مَا نَوَى» مع العناية بتحري موافقة الشريعة في جميع الأعمال؛ لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْه أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، فإذا وقع للإنسان حالة ترك فيها العمل الذي لا يجب عليه؛ لئلا يظن به ما يضره فليس هذا الرياء، بل هو من السياسة الشرعية، وهكذا لو ترك بعض النوافل عند بعض الناس خشية أن يمدحوه بما يضره أو يخشى الفتنة به، أما الواجب فليس له أن يتركه إلا لعذر شرعي».

<<  <  ج: ص:  >  >>