فإذا كان الوضوء مع الشهادتين موجبًا لفتح أبواب الجنَّة، صار الوضوءُ نصفَ الإيمان بالله ورسوله بهذا الاعتبار.
وأيضًا فالوضوء من خِصال الإيمان الخفيَّة التي لا يُحافِظُ عليها إلاَّ مُؤمنٌ، كما في حديث ثوبان وغيره، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يُحافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إلا مُؤْمِنٌ» (صحيح رواه الإمام أحمد، وابن ماجه).
والغسل من الجنابة قد ورد أنَّه أداء الأمانة؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ» قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ؟» قَالَ:«الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ». (حسن، رواه أبو داود).
ويحتمل أنْ يُقال: إنَّ خصالَ الإيمان من الأعمال والأقوال كُلّها تُطَهِّرُ القلبَ وتُزكيه، وأما الطهارةُ بالماء، فهي تختصُّ بتطهير الجسدِ وتنظيفه، فصارت خصالُ الإيمان قسمين: أحدُهما يُطهِّرُ الظاهر، والآخر يُطهِّرُ الباطن، فهما نصفان بهذا الاعتبار، والله أعلم بمراده ومراد رسوله في ذلك كُلِّه.