تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الزمر:١٥).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ اللهِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ اللهِ، يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ـ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ ـ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنْ اللهِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمَا مِنْ اللهِ شَيْئًا، سَلَانِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا» (رواه البخاري ومسلم).
وقد اشترى جماعةٌ من السَّلف أنفسَهم من الله - عز وجل - بأموالهم، فمنهم مَنْ تصدَّق بوزنه فضة ثلاثَ مرَّاتٍ أو أربعًا، كخالد الطحَّان.
ومنهم من كان يجتهد في الأعمال الصالحة ويقول: إنَّما أنا أسيرٌ أسعى في فكاك رقبتي، منهم عمرو بنُ عُتبة.
قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالأسير، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمنُ شيئًا حتّى يلقى الله - عز وجل - وقال: ابنَ آدم، إنَّك تغدو أو تروحُ في طلب الأرباح، فليكن همُّك نفسك، فإنَّك لن تربح مثلها أبدًا.
قال أبو بكر بن عيّاش: قال لي رجل مرَّة وأنا شابٌّ: «خلِّص رقبتَك ما استطعتَ في الدنيا من رقِّ الآخرة، فإنَّ أسيرَ الآخرةِ غيرُ مفكوكٍ أبدًا»، قال: فوالله ما نسيتُها بعدُ.
وكان بعضُ السَّلف يبكي، ويقول: «ليس لي نفسان، إنَّما لي نفسٌ واحدةٌ، إذا ذهبت لم أجد أخرى».
وقال محمد بن الحنفية: «إنَّ الله - عز وجل - جعل الجنَّة ثمنًا لأنفسكم، فلا تبيعُوها بغيرها».وقال: «من كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر».
وقيل له: من أعظمُ الناس قدرًا؟ قالَ: «من لم يرَ الدُّنيا كُلَّها لنفسه خطرًا».
أثامِنُ بالنفْسِ النفيسةِ ربََّها ... ولَيسَ لها في الخلقِ كُلِّهمُ ثَمَنْ
بها تُملَك الأخرَى فإنْ أنا بِعتُهَا ... بشيءٍ مِن الدُّنيا، فذَاكَ هُوَ الغَبَنْ
لَئِنْ ذَهَبَتْ نفسي بدُنيا أُصيبُها ... لقَدْ ذَهَبَتْ نفسي وقد ذَهَبَ الثَّمنْ