ألف درهم؟»، قال: لا، قال: «فبرجليك؟»، قال: لا، قال: فذكَّره نِعَمَ الله عليه، فقال يونس: «أرى عندك مئين ألوفٍ وأنت تشكو الحاجة».
وعن بكر المزني قال: «يا ابن آدم، إنْ أردتَ أنْ تعلمَ قدرَ ما أنعمَ اللهُ عليك، فغمِّضْ عينيك».
وفي بعض الآثار: كم مِنْ نِعمَةٍ لله في عِرْقٍ ساكن.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (رواه البخاري) والغَبْنُ في البيع والشراء: الوَكْسُ، غَبَنَه يَغْبِنُه غَبْنًا أَي خدَعه، وقد غُبِنَ فهو مَغْبُونٌ.
ومَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمَرْء لَا يَكُون فَارِغًا حَتَّى يَكُون مَكْفِيًّا صَحِيح الْبَدَن فَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ فَلْيَحْرِصْ عَلَى أَنْ لَا يَغْبِن بِأَنْ يَتْرُك شُكْر اللهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَمِنْ شُكْره اِمْتِثَال أَوَامِره وَاجْتِنَاب نَوَاهِيه، فَمَنْ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْمَغْبُون.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ «كَثِيرٌ مِنْ النَّاس» إِلَى أَنَّ الَّذِي يُوَفَّق لِذَلِكَ قَلِيل.
وَقَدْ يَكُون الْإِنْسَان صَحِيحًا وَلَا يَكُون مُتَفَرِّغًا لِشُغْلِهِ بِالْمَعَاشِ، وَقَدْ يَكُون مُسْتَغْنِيًا وَلَا يَكُون صَحِيحًا، فَإِذَا اِجْتَمَعَا فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْكَسَل عَنْ الطَّاعَة فَهُوَ الْمَغْبُون، وَتَمَام ذَلِكَ أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآخِرَة، وَفِيهَا التِّجَارَة الَّتِي يَظْهَر رِبْحهَا فِي الْآخِرَة، فَمَنْ اِسْتَعْمَلَ فَرَاغه وَصِحَّته فِي طَاعَة اللهُ فَهُوَ الْمَغْبُوط، وَمَنْ اِسْتَعْمَلَهُمَا فِي مَعْصِيَة اللهُ فَهُوَ الْمَغْبُون، لِأَنَّ الْفَرَاغ يَعْقُبهُ الشُّغْل وَالصِّحَّة يَعْقُبهَا السَّقَم، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْهَرَم كَمَا قِيلَ:
يَسُرّ الْفَتَى طُول السَّلَامَة وَالْبَقَا ... فَكَيْف تَرَى طُول السَّلَامَة يَفْعَلُ
يَرُدّ الْفَتَى بَعْد اِعْتِدَال وَصِحَّة ... يَنُوء إِذَا رَامَ الْقِيَام وَيُحْمَلُ
ضَرَبَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِلْمُكَلَّفِ مَثَلًا بِالتَّاجِرِ الَّذِي لَهُ رَأْس مَال، فَهُوَ يَبْتَغِي الرِّبْح مَعَ سَلَامَة رَأْس الْمَال، فَطَرِيقه فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَحَرَّى فِيمَنْ يُعَامِلهُ وَيَلْزَم الصِّدْق وَالْحِذْق لِئَلَّا يُغْبَن، فَالصِّحَّة وَالْفَرَاغ رَأْس الْمَال، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَامِل اللهَ بِالْإِيمَانِ، وَمُجَاهَدَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute